المبحث الرابع: موقفنا من الحركة الاستشراقية والمستشرقين
... عرفنا مما سبق أن الاستشراق وليد من عصبية وحقد النصارى للإسلام ولأمتنا الإسلامية، وحتى بعد تطوره إلى العلمانية، لم يخرج عن هذه العصبية، وارتبط ارتباطاً وثيقاً أولاً بالتبشير اللاهوتى، ثم ثانياً بالاستعمار ولم ينفصل عنهما معاً، وتكاتلت تلك الجيوش الثلاثة من أجل محاربة الإسلام والمسلمين، وتحقيق مصالحهم وأطماعهم، وعرفنا أن منهج الاستشراق بعيد كل البعد عن المنهج العلمى النزيه فى دراسته للإسلام والمسلمين.
... وإذا كان للحركة الاستشراقية أثر كبير فى تشويه صورة الإسلام والمسلمين فى العالم العربى، وأثر أخطر فى أجيال من أبناء جلدتنا ممن وقعوا فى شباكهم؛ ففسدت عقائدهم وعملوا على إفساد عقائد المسلمين، من أجل هذا كان لابد وأن يكون للمسلمين موقف من هذه الحركة الاستشراقية، ومن أنصارها الذين تعصبوا لها وخدعوا بما زعمه أعداء الإسلام من التزامهم الموضوعية فى الكتابة، وصدقوا ما كتبوه من أباطيل ضد الإسلام، واعتمدوا على مؤلفاتهم فى كتاباتهم عن الإسلام فى التفسير، أو الحديث، أو السيرة، أو التاريخ …إلخ. وراجت مؤلفات هؤلاء الأنصار بين شباب المسلمين مع ما فيها من دسائس، ودس للسم فى العسل.
ولهؤلاء ولمن يقرأون لهم نقول كما قال الأستاذ محمد سرور بن نايف:"لا يجوز أن يعتمد المسلمون فى فهم دينهم على كتب المستشرقين مهما قيل فى مدحهم والثناء عليهم، والإشادة بحيادهم [1] .
نعم، قد نلقى بعضهم منصفاً معتدلاً غير متحامل ولا متعصب، ولكنه شاذ لا يقاس عليه. وإن كانت معظم كتاباتهم المعتدلة تتركز فى تاريخ العلوم التجريبية عند المسلمين، وأثر المسلمين فى هذا المجال لا ينازع فيه إلا مكابر، وهم فى هذا لم يأتوا بجديد غير إحقاق الحق، ومن هذا القبيل كتاب (شمس العرب تسطع على الغرب للمستشرق زغريد هونكة) . [1] دراسات فى السيرة النبوية ص 175.