وإن الذى ألهم النحلة اتخاذ البيت العجيب الصنعة للتعسيل فيه، وألهم النملة أن تدخر قوتها أوان حاجتها، وأن تكسر الحبة نصفين لئلا تستنبت، لقادر على إلهام الذبابة أن تقدم جناحاً، وتؤخر آخر.
وقال ابن الجوزى: ما نقل عن هذا القائل ليس بعجيب، فإن النحلة تعسل من أعلاها، وتلقى السم من أسفلها، والحية القاتل سمها تدخل لحومها فى الترياق الذى يعالج به السم، والذبابة تسحق مع الإثمد لجلاء البصر" [1] أ. هـ.
ثالثاً: والقول بأن العلم يثبت بطلانه لأنه قطع بمضار الذباب، قول من جهل معنى الحديث، وعجز عن فهمه. والحديث كما أسلفت لم ينف ضرر الذباب بل نص على ذلك صراحة. وهل علماء الطب وغيرهم أحاطوا بكل شئ علماً؟!!
... حتى يصبح قولهم هو الفصل الذى لا يجوز مخالفته. بل هم معترفون كل الاعتراف بأنهم عاجزون عن الإحاطة بكثير من الأمور [2] . وهنالك نظريات كانت تؤخذ على وجه التسليم تبين فسادها فيما بعد، إذ علومهم خاضعة للتجارب والاختبارات.
... بينما الذى نطق به رسول الله صلى الله عليه وسلم وحى من عند الله تعالى، العليم بخفاء ما غاب عن الخلق جميعاً. ولا زال علماء الطب يطِلّون على العالم فى كل يوم باكتشافات جديدة لعقاقير طبية وأدوية واقية لم تكن عُرفت من قبل.
ثم هل يتوقف إيماننا بصدق كل حديث ورد فيه أمر طبى عن النبى صلى الله عليه وسلم، حتى يكشف لنا الأطباء بتجاربهم صدقة أو بطلانه؟
وأين إيماننا إذن بصدق نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووحى الله إليه؟! [1] انظر: فتح البارى 10/263 رقم 5782 وانظر: معالم السنن 5/341-342، وتأويل مختلف الحديث ص 210، 212. [2] انظر: مسند أحمد بتحقيق أحمد محمد شاكر 12/124 فى الهامش، والأنوار الكاشفة ص221.