وقال الإمام النووى – رحمه الله – بعد نقله لكلام القاضى عياض السابق: "وهو الظاهر المختار الذى تقتضيه أحاديث السلام على القبور" [1] .
... أما ما زعموه من تعارض الأحاديث المثبتة لعذاب القبر والنافية له.
فيجاب عن ذلك بأنه لا تعارض.
ففى الأحاديث التى زعموا أنها تنفى عذاب القبر فى عجزها ما يثبته، وهو ما تعمدوا بتره، فلا تعارض بين أول الحديث وآخره كما جاء فى رواية مسلم عن عائشة –رضى الله عنهما– قالت: دخل علىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندى امرأة من اليهود. وهى تقول هل شعرت أنكم تفتنون فى القبور؟ قالت: فَارْتَاعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "إنما تُفتنُ يهودُ" قالت عائشة: فلبثنا ليالى. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل شعرت أنه أوحى إلى أنكم تفتنون فى القبور؟ " قالت عائشة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، بَعْدُ، يستعيذُ من عذاب القبر" [2] .
قال الحافظ ابن حجر: وحاصل الحديث أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن أوحى إليه أن المؤمنين يفتنون فى القبور فقال:"إنما يفتن يهود" فجرى على ما كان عنده من علم ذلك، ثم لما علم بأن ذلك يقع لغير اليهود استعاذ منه، وعلمه، وأمر بإيقاعه فى الصلاة، ليكون أنجح فى الإجابة" [3] . [1] المنهاج شرح مسلم للنووى 9/225 رقم 2874. [2] أخرجه مسلم "بشرح النووى" كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب التعوذ من عذاب القبر … إلخ 3/91، 92 رقم 584. [3] فتح البارى 11/180 رقم 6366.