فالجواب: أنه لا تعارض، إنما التعارض نشأ من عدم إدراكهم المراد بالحياة فى القبر فهى ليست الحياة المستقرة المعهودة فى الدنيا، التى تقوم فيها الروح بالبدن وتدبيره وتصرفه، وتحتاج إلى ما يحتاج إليه الأحياء، بل هى مجرد إعادة لفائدة الامتحان الذى وردت به الأحاديث الصحيحة، فهى إعادة عارضة، كما حى خلق، لكثير من الأنبياء، لمسألتهم لهم عن أشياء، ثم عادوا موتى [1] .
... فحياة القبور، وما فيها من نعيم أو عذاب؛ تختلف عن حياة الدنيا، وحياة الآخرة؛ فهى حياة برزخية لا طاقة للعقل فى إدراكها، ولا يمكنه أن يصل إلى كيفيتها، وإنما يتوقف الإيمان بهذه الحياة على النصوص الواردة قال تعالى: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (2)
... أما دعواهم تعارض الأحاديث: فيجاب عن ذلك بأنه لا تعارض مع إمكان الجمع وهو ممكن. وما ورد من رد أم المؤمنين عائشة –رضى الله عنها– لخبر ابن عمر رضي الله عنه فى تعذيب الميت ببكاء أهله عليه. فلا حجة لهم فيه على نفى عذاب القبر لأن عائشة –رضى الله عنها– إنما أنكرت عذاب الميت بما لم تكسبه يداه، يدل على ذلك احتجاجها بقوله تعالى: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [3] ومع ذلك فإنكارها ذلك وحكمها على الراوى بالتخطئة أو النسيان أو على أنه سمع بعضاً ولم يسمع بعضاً بعيد؛ لأن الرواة لما أنكرته من رواية عمر وابنه – رضى الله عنهما – رواه من الصحابة كثيرون وهم جازمون. فلا وجه للنفى منها مع إمكان حمله على محمل صحيح [4] . [1] فتح البارى 3/284 رقم 1374، وانظر: شرح المقاصد للتفتازانى 2/162.
(2) الآية 100 من سورة المؤمنون. [3] الآية 38 من سورة النجم. [4] فتح البارى 3/184 رقم 1287.