2- كون النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج في أمة العرب: تلك الأمة التي فُضِّلَتْ على غيرها من الأمم أنذاك، حتى استعدت لهذا الإصلاح الروحي المدني العام، الذي اشتمل عليه دين الإسلام، بالرغم مما طرأ عليها من الأمية، وعبادة الأصنام، وما أحدثت فيها غلبة البداوة من التفرق والانقسام.
ومع ذلك فقد كانت أمة العرب متميزة باستقلال الفكر، وسعة الحرية الشخصية، في الوقت الذي كانت الأمم الأخرى ترسف في عبودية الرياستين الدينية والدنيوية، محظورا عليها أن تفهم غير ما يلقنها الكهنة، ورجال الدين من الأحكام الدينية، أو أن تخالفهم في مسألة عقلية، أو كونية، كما حظرت عليها التصرفات المدنية والمالية.
وكانت أمة العرب - أيضا - متميزة باستقلال الإرادة في جميع الأعمال أيام كانت الأمم مُذَلَّلَةً مُسَخَّرة للملوك والنبلاء، المالكين للرقاب والأموال بحيث يستخدمونهم كما يستخدمون البهائم؛ فلا رأي لهم في سلم، ولا حرب، ولا إرادة لها دونهم في عمل ولا كسب.