ويأتي كُسور من المثقفين (أنصاف - أرباع - أعشار) من المتأثرين بالنزعات الإلحادية فيدَّعون وجود التناقض بين الدين والحقائق العلمية، استناداً إلى وجود اختلاف بين بعض المعارف الدينية وبعض الفرضيات أو النظريات التي لم تصبح بعدُ حقائق علمية، وهم يزعمون كذباً أو يتصورون خطأ أن هذه الفرضيات أو النظريات قد أصبحت حقائق علمية ثابتة بشكل قطعي غير قابل للنقض، وهنا يقعون في غلط علمي فاحش جداً، ويتبع ذلك سقوطهم في ضلال اعتقادي كبير تجاه الدين وأصوله ومعارفه، علماً بأن طائفة من النظريات التي نسبت إلى العلم قد وُضعت خصيصاً لدعم قضية الإلحاد والكفر بالله، على أيدي يهود أو أجراء يهود، وصيغت لها المقدمات والمبررات التي ليس لها قواعد منطقية علمية صحيحة.
فالواجب إذن يتحتم علينا - أخذاً بطرق البحث العلمي السليم المحرر الذي أمرنا به الإسلام-أن نمعن النظر فيما قدمته شهادة العقل، ووسائل البحث العلمي الإنسانية، وفيما قدمته شهادة النصوص الدينية، وأن نخضع هذه الشهادات للضوابط العلمية الصحيحة، المتفق عليها في أصول العقل، وفي أصول الدين.
وإني لأجزم بكل يقين أننا لن نجد مسألة واحدة يستحكم فيها الخلاف بين شهادة النصوص الدينية اليقينية قطعية الثبوت قطعية الدلالة، وبين الشهادة القاطعة التي يقدمها العقل، أو الشهادة القاطعة التي يقدمها البحث العلمي الإنساني البحت.
بل اليقيني من كل ذلك لا بد أن يتطابق في شهادته، متى استطاع أن يصل إلى الحقيقة التي هي موضوع البحث.
فإن وصل بعضها وبعضها الآخر لم يصل أعلن كل عن مبلغه من العلم قصَّر في المعرفة أو زاد، وفي هذا لا يوجد تناقض أو خلاف، ولكن يوجد بيان جزئي وبيان أشمل وأكمل، أو بيان جزئي من جهة وبيان جزئي من جهة أخرى، وفق مثال العميان والفيل [1] . [1] مثل أورده الغزالي وغيره، خلاصته أن عدداً من العميان قُدّم لهم فيل ليصفوه، فوقعت يد كل منهم على جانب منه، ثم أخذ يصف الفيل عن طريق ما تلمسه بيده منه، فوصف أحدهم ملاسة الناب وقسوته، والآخر خشونة الذيل، والثالث ما تلمسه من الخرطوم، والرابع ما تلمسه من رجله ... وهكذا.