قال عمير: إن ذلك شيء لا أعمله لك ولا لأحد بعدك، والله ما سلمت بل لم أسلم، لقد قلت لنصراني: أخزاك الله، فهذا ما عرضتني له يا عمر، وإن أشقى أيامي يوم خلفت معك. [1] لقد عظم على عمير قوله لرجل من غير المسلمين: أخزاك الله، وهو دعاء، وما ذكر خطأ اقترفه في ولايته على حمص أعظم من هذا، وفي ذلك دليل على أن هذا الدين ما جاء إلا بالرحمة والهداية وإنقاذ البشر من الضلال إلى الهدى ومن ظلمات الكفر إلى نور الطاعة، ولا عجب فمن مدرسة النبوة تخرج هذا الصحابي وغيره، ممن لا يؤذون الناس بل يغمرونهم بعطفهم ورحمتهم وسماحتهم وإحسانهم، ولذا قال عنه عمر: إنه نسيج وحده، وقال: وددت أن لي رجلا مثل عمير بن سعد استعين به على أعمال المسلمين [2] .
إن الدعاء لغير المسلمين وفق ضوابط الشرع من أعظم صور التسامح في الإسلام ومن محاسنه الكبرى التي تنظر إلى الإنسان نظرة تكريم وعناية، وفي الدعاء استمالة ظاهرة لقلب المدعو فكل أحد يتمنى من الناس الدعاء له بالخير، ومن هنا قال ابن عباس رضى الله عنه لو قال لي فرعون: بارك الله فيك قلت: وفيك، وفرعون قد مات [3] . [1] صفة الصفوة، ابن الجوزي، دار الكتب العلمية بيروت، ط 1 1409 هـ، ج 1 ص 354. [2] المرجع السابق، ج 1 ص 356. [3] رواه البخاري في الأدب المفرد باب كيف يدعو للذمي؟ وحسنه الألباني، انظر: صحيح الأدب المفرد، الألباني، ص 430 رقم الحديث 847.