ويكفي في إبطال قول الصابئة وورثتهم قوله تعالى في المسيح: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [1] فإن في هذه الآية ما يدل على أنه علية السلام لا علم له بما صدر وجرى منهم بعد وفاته، وأنه إنما يشهد بما كان منهم مدة حياته، وبقائه فيهم، ولا يعلم سواه..) [2].
ويرد الشيخ عبد اللطيف على من ادعى حياة الأنبياء بعد وفاتهم كحياتهم الدنيا، فقال الشيخ رحمه الله:
(إن هذه مقالة جاهل لا يفرق بين حياة الأنبياء والشهداء بعد الموت، وحياتهم في الدنيا، فظن الغبي أنها هي الحياة الدنيوية ولذلك نفي الموت، والله تعالى يقول: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [3] والحياة البرزخية تجامع الموت ولا تنافيه كحال الشهداء) [4].
ويرد الشيخ عبد اللطيف دعوى داود حين ظن جواز دعاء الموتى، مادام أن الذي يدعوهم ويستغيث بهم يعتقد أن الفاعل والموجد هو الله وحده، ثم يرد ويبطل الشيخ عبد اللطيف تفريق داود بين الدعاء والنداء، فقال رحمه الله:
(وهذا الأحمق زاد قيدا، فقال لا يشرك إلا من قصد واعتقد الاستقلال من دون الله، وفي تلبية المشركين في الجاهلية لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك، فهؤلاء لم يدعوا الاستقلال وعلى زعم هذا ليسوا بمشركين. وقوله وهذا نداء لا دعاء من أدل الأشياء على جهله، فإن النداء هو رفع الصوت بالدعاء، أو الأمر أو النهي، ويقابله النجا الذي هو المسارة وخفض الصوت. هذا بإجماع أهل اللغة كما حكاه ابن القيم في نونيته، وشيخ الإسلام في تسعينيته، وليس قسيما للدعاء، قال تعالى: {وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ} [5] الآية، فما فعلوه هو عين ما أمروا به، وكفى بهذه الآية حجة على إبطال قوله.
وقال تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ} [6] {وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ} [7]وسمى هذا النداء دعاء في كتابه العزيز، قال عن نوح عليه السلام: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ [1] سورة المائدة آية: 117.
2 "مصباح الضلال" ص 291. [3] سورة الزمر آية: 30.
4 "مصباح الضلال" ص 249. [5] سورة الكهف آية: 52. [6] سورة الأنبياء آية: 83. [7] سورة الأنبياء: 76.