ويبين الشيخ عبد اللطيف اختلاف حياة البرزخ عن حياة الدنيا فيقول:
(والذي دل عليه كتاب الله، وسنة رسوله، وإجماع الأمة أن الحال بعد مفارقة الأرواح للأبدان ليست كحال الحياة من وجوه كثيرة لا يمكن استقصاؤها ويكفي المؤمن قوله صلى الله عليه وسلم " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث.. " [1] فهذا الحديث يدخل تحته جميع أعماله الباطنة والظاهرة، وأنه لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، وأن الأسباب الحسية تزول بالموت، فكيف بغيره، وإذا كان لا يملك لنفسه شيئا وعمله قد انقطع فكيف يتصرف، ويدبر، ويستمد منه، وتطلب منه الحوائج إن هذا لهو الضلال المبين) [2].
وينقل الشيخ عبد اللطيف نصا نفيسا لابن تيمية- رحمه الله- في بطلان الاستغاثة بالأموات، وآثارها السيئة..، وأن الاستغاثة بالله وحده هي سبب انتصار المسلمين على التتار آنذاك، يقول ابن تيمية:
(ونحن نعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لأمته أن يدعوا أحدا من الأموات، لا الأنبياء، ولا غيرهم بلفظ الاستغاثة ولا غيرها.. وربما قصدوا الأموات في ضرورة نزلت بهم فيدعون دعاء المضطر، راجين قضاء حاجاتهم.. حتى إن العدو الخارج عن شريعة الإسلام لما قدم دمشق خرجوا يستغيثون بالموتى عند القبور، قال بعض الشعراء:
يا خائفين من التتر ... لوذوا بقبر أبي عمر ... ينجيكموا من الضرر
فقلت لهؤلاء الذين يستغيثون بهم لو كانوا معكم في القتال، لانهزموا كما انهزم المسلمون يوم أحد، فإنه كان قد قضي أن العسكر ينكسر لأسباب اقتضت ذلك، ولحكمة كانت لله في ذلك، ولهذا كان أهل المعرفة بالدين والمكاشفة لم يقاتلوا في تلك المرة لعدم القتال الشرعي الذي أمر الله به ورسوله، فلما كان ذلك بعد ذلك جعلنا نأمر بإخلاص الدين لله والاستعانة به، وأنهم لا يستعينون إلا به، ولا يستغيثون بملك مقرب ولا نبي مرسل.
فلما أصلح الناس أمورهم وصدقوا في الاستغاثة بربهم، نصرهم الله على عدوهم نصرا عزيزا لم يتقدم نظيره، ولم يهزم التتار مثل هذه الهزيمة أصلا..) [3]. [1] سنن الترمذي: كتاب الأحكام (1376) .
2 "البراهين الإسلامية"، ق36،37.
3 "مجموعة الرسائل والمسائل" 3/409.