ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة؛ فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه"، أي: أن المولود يولد على الفطرة، وهي الإسلام، ولهذا لم يقل أو يسلمانه؛ فاعتناق غير الإسلام يعد خروجاً عن الأصل والقاعدة بأسباب خارجة؛ فالأبوان قد يصرفان المولود عن أصل فطرته إلى اليهودية، أو النصرانية، أو المجوسية، أو غير ذلك مما يخالف الفطرة.
ثم إن العقل السليم يؤيد الفطرة السليمة؛ فالعقل يدل أعظم الدلالة على الإيمان بالله؛ فمن نظر إلى هذا العالم، وما أودع الله فيه من المخلوقات المتنوعة من أرض، وسماء، وجبال، وبحار، وإنسان، وحيوان، وجماد، وزروع، ونحو ذلك - أدرك أن لهذا الكون خالقاً وهو الله - عز وجل - فالقسمة العقلية في هذا الصدد لا تخرج عن ثلاثة أمور:
1 - إما أن تكون هذه المخلوقات وجدت صدفة من غير مُحْدِث ولا خالق: وهذا مُحال ممتنع يجزم العقل ببطلانه؛ لأن كل من له عقل يعلم أنه لا يمكن أن يوجد شيء من غير مُحْدِث ولا مُوجد؛ ولأن وجود هذه المخلوقات على هذا النظام البديع المتَّسِق المتآلف، والارتباط الملتحم بين الأسباب والمسببات، وبين الكائنات بعضها مع بعض - يمنع منعاً باتاً أن يكون وجودها صدفة.
2 - وإما أن تكون هذه المخلوقات هي الخالقة لنفسها: وهذا محال ممتنع؛ فكل عاقل يجزم أن الشيء لا يخلق نفسه؛ لأنه قبل وجوده معدوم؛ فكيف يكون خالقاً؟.
وإذا بطل هذان القسمان تعين الثالث وهو: