من المثقفين المدنيين، أو الناهلين من حضارة الأوربيين، فلو سمعوا من الواعظ الديني مائة خطبة يذكرهم فيها بالله، ويدعوهم خلالها إلى حماه، لما اتعظوا بها، ولا استجابوا لها، ولكنهم لو جاءتهم الموعظة من رجل مدني، أو من جو أوربي، لسارعوا إليها مصدقين معجبين، ومع ما في هذا من مخالفة لقول الله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65] [1]. فنحن نريد أتباعا للحكمة في الدعوة، واحتيالا في التحذير من الضلالة، أن تأتيهم بالشواهد التي يريدون.
هذا رجل شرقي عظيم، له من بيته وعمره وثقافته ما يجعله خبيرا بالمشكلات دارسا للحضارات، يرحل إلى أوربا ويقضي في أرجائها شهورًا، ثم يعود فيقول لنا في وضوح وتأكيد: إن أبناء الحضارة الحديثة قد آمنوا أخيرًا، وبعد طول المطاف بأنه لا سلام إلا بالله، ولا سعادة إلا بالرجوع إلى الله، ولا استقرار إلا بالثقة في دين الله؛ لأن الرجوع إلي الله واليقين به والاحتماء بلوائه هو الذي سيقضي على الحروب المهلكة والشيوعية البشعة، وسيزيل الفقر الشائع والمرض الذائع من بين الأحياء، ومعنى هذا أن عمالقة البشر في العالم الحديث، الذي هتكوا أسرار الطبيعة، واستخدموا كل شيء تحت أيديهم، واستمتعوا بكل لذة تريدها الأجساد، لم ينعموا بذلك ولم يسعدوا، فرجعوا نادمين، وعادوا إلى ربهم تائبين، وقرعوا بابه هاتفين:
{قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [2].
وهذا كاتب معاصر يزور في الأيام الأخيرة "باريس" مدينة النور والفجور، وموطن المواخير والخمور ومصدر كل لذة، ومثيرة كل شهوة، [1] النساء: 65. [2] الأعراف: 23.