مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [1].
وقد وصف الله لنا سيد الدعاة محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [2]، ووصفته السيدة عائشة -رضي الله عنها- حين سئلت عن خلقه -صلى الله عليه وسلم- فقالت: "كان خلقه القرآن".
يقول ابن كثير: "ومعنى هذا: أنه عليه الصلاة والسلام صار امتثال القرآن أمرا ونهيا سجية له، وخلقا تطبعه، وترك طبعه الجبليّ، فمهما أمَرَه القرآن فعله، ومهما نهاه عنه تركه هذا مع ما جبله الله عليه من الخلق العظيم: من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم، وكل خلق جميل، كما ثبت في الصحيحين عن أنس قال: خدمت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين، فما قال لى: أفّ قط، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلته، ولا لشيء لم أفعله ألا فعلته، وكان -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس خلقا، ولا مسست خزا ولا حريرا ولا شيئا كان ألين من كف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا شممت مسكا ولا عطرا كان أطيب من عرق رسول الله صلى الله عليه وسلم[3].
هذا هو المثل الأعلى لمن يريد أن يكون داعية, إنه يجب أن يسكن رسولنا الكريم ضمائرنا ونتبعه في عملنا وتفكيرنا، وإلا عدَّ من لم يكن هكذا مدعيا لا داعية، إن علو الكعب في الخلق، والطهر القلبى والنفسي، ورقة الذوق في الكلمة والنظرة وخفض الصوت وإشراق الوجه بالابتسامة لغة [1] سورة المائدة: الآيتان 15، 16. [2] سورة القلم: الآية 4. [3] اللؤلؤ والمرجان، حديث رقم 1491-1492.