هدايتهم، العليم بالطوايا والنوايا، {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور} [1]، وهو وحده صاحب الحق في محاسبة الخلق على أعمالهم يوم لقائه، وهو وحده مالك الثواب والعقاب، ولذلك قال: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [2].
وإذا كان الله -جل جلاله- قد حدد وسائل الدعوة هنا بهذه الأمور التي جعلها بعيدة عن معاني الإكراه والإرغام والعدوان، فقد ذكر لنا في موطن آخر صورة من صور التطبيق للدعوة المسالمة، فإذا هذه الصورة تبدو وفيها اللين والرفق والرحمة، وذلك حينما أرسل الله موسى، وهارون إلى فرعون وقال لهما: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى، فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى، قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى، قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى، فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرائيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} [3].
وهكذا بدأت المحاورة مع فرعون -وهو فرعون وكفى- بالقول الهادي اللين: {فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} ، واختتمت بالسلام والأمان: {وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} ، ولقد روى التاريخ أن جاهلًا يدَّعي العلم أراد أن يتظاهر بالدعوة؛ ليرضي غروره أو يستر نقصه، فقال لأحد الحاكمين: أيها الأمير، إني سأسمعك كلاما شديدا فاحتمله مني، فأجابه قائلا: لن أحتمله منك فلا تقله، فقال الدعي في باب الدعوة: ولم؟ فأجابه: لأن الله تعالى أرسل من هو [1] الأنفال: 43. [2] القلم: 7. [3] طه: 43: 47.