هو يشهد بالحق ويحث عليه، وهو يبشر بالخير ويحبب فيه، وهو يحذر من الشر ويباعد عنه. وهو حين يدعو إلى الله بإذن الله، ينير الطريق ويضيء المسالك، ويفتح أمام المهتدين المحسنين أبواب الفضل الإلهي الكبير: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [1].
ومعنى هذا أن الدعوة إلى الله ليست لعبة يتلهى بها الغر والجاهل، وليست أمرا يحسنه القاصر والغافل، وليست شهوة يندفع إليها كل من عرف قشورًا من الدين، أو أراد تظاهرًا بين الناس، وإنما الدعوة إلى الله كالحرم الرباني الزكي، يدخله من تطهر وتدثر بالعقل والعلم والإخلاص والاعتدال على الصراط المستقيم بلا انحراف ولا اعتساف ولا إسراف، ولذلك وكَّل الله -تبارك وتعالى- هذه المهمة الجليلة في نطاقها العام إلى أنبيائه ورسله ومن ورثَتِهم والأخيار من أتباعهم الراسخين في العلم، البصراء بالحق، الخبراء بطرق الهداية في حذق ورفق، ولذلك قال الله -تعالى- لحبيبه[2] ومصطفاه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [3].
ولجلال الدعوة إلى الله ودقتها رسم الرحمن الرحيم لرسوله الكريم أصولها وقواعدها حتى تكون هديا ونورًا، وخيرًا وبرًّا، تجمع ولا تفرق، وتوحد ولا تمزق، وتبني ولا تهدم، وتعمر ولا تحطم، فقال له: {ادْعُ إِلَى سَبِيل [1] المائدة: 15، 16. [2] أولى لخليله. [3] يوسف: 108.