ولا قوة إلا بالله، فأكثروا ذكر الله، وأعملوا لما بعد اليوم؛ فإن من يصلح ما بينه وبين الله يكفه الله ما بينه وبين الناس، ذلك بأن الله يقضي على الناس، ولا يقضون عليه، ويملك من الناس ولا يملكون منه، والله أكبر ولا قوة إلا بالله العظيم"[1].
والخطبة موعظة رائعة، يستهلها الرسول الكريم بتقرير وحدانية الله وأنه أتم نعمته على الناس بإرساله كي يخرجهم مما هم فيه من غواية وضلالة ويدخلوا في رعايته الإلهية، فلا يعملوا عملا بدونه. ليتركوا إذن الوراثة الضالة والوسط المشفى على الهلاك، ويجتمعوا على هدى الله وتقواه، وليستشعروه في السر والعلانية؛ فإنه يعلم خائنة الأعين وما يستكن في الصدور، وليقدموا من خشيته وطاعته ما يكفرون به عن سيئاتهم وتبيض به وجوههم يوم الحساب حتى يدخلوا في جناته. إنه يوم ما بعده مستعتب، فإما الجنة وشفيعها العمل الصالح، وإما النار وبئس القرار. ويدفعهم دفعا إلى الجهاد في سبيل الله ونشر دعوة الحق والخير، فقد اجتباهم واختارهم؛ ليضطلعوا بأمانة الرسالة المحمدية، ولينشروها في أطراف الأرص، والرسول في كل ذلك يستوحي القرآن وآياته، وهي تقف منارات في موعظته، يستمد من إشعاعاتها ما يضيء به كلامه، بل إن وراء هذه المنارات منارات أخرى من هدي القرآن، بحيث نستطيع أن نرد كل موعظته إلى ينابيع الضوء التي تفجرت منها؛ إذ كانت تسيل في نفسه، بل كانت تشع بمعانى نورها، كما يشع نور الشمس في السماء. [1] تاريخ الطبرى جـ2 ص 255.