يستترون حتى بجلباب النفاق ولو أن غنيا مليونيا من أهل هذا العصر كان في ذلك الزمان لقدر أن يشتري مملكة بأسرها وكان تسعة وتسعون في المائة خدما يعاملون بأقسى ما يعامل به العبيد ولم يكن ولا واحد في المائة من الرجال ولا واحد في الألف من النساء تقدر على القراءة وكان الضعيف مضطهدا مقهورا مسحوقا تحت الأقدام مغموسا في الطين والدم بل حتى القوي كان مهددا بالأوبئة الوافدة والسيوف اللامعة على الدوام والنجوم ذوات الأذناب في السماء وجنود العفاريت الهائلة في الهواء كذلك إن أردت أن تعرف أفكار النصرانية الاجتماعية فادرس القرن العاشر فلا زخارف أقوال الواعظين ولا كذب المعتذرين ولا الإذعان السياسي من المؤرخين يقدر أن يخفي عن ذوي الألباب عظم تبعة الكنيسة ولا سيما البابوية في ذلك الزمان الذي بلغ فيه الانحطاط إلى دركة لا نظير لها وإنه لفصل من أشد فصول البشرية شقاء وحزنا من الفصول التي استشهدت فيها الإنسانية وأنه لأفضع فصول من فصول غضب الله. حقا لقد حطم "بولوس" من ناحية و"أوكستين" من ناحية أخرى مدنية الإنسان فهل هذا الذي سمياه - بعيدين عن اتباع الهوى - (مدينة الله) .
يقصد المؤلف بهذا الكلام رجلين على يديهما انتشرت النصرانية المحرفة التي يعزو إليها المؤلف كل ما أصاب الناس من الشقاء وينبغي أن أذكر للمستمعين الكرام ترجمتي هذين الرجلين باختصار:
أما "بولوس" ويسميه الأوروبيون (بول الرسول) وتعده الكنيسة من الرسل الإثني عشر من أصحاب عيسى عليه السلام وكان "بولس" يهوديا يونانيا ولد في "طرسوس" ولا يعرف بالتحقيق تاريخ ولادته وقد خمن المؤرخون أن يكون قد ولد سنة عشر للميلاد وكان عالما بعلوم اليهود واليونان وكان يعد من فقهاء اليهود وكان شديد العداوة لكل من آمن بالمسيح محرضا على قتلهم ولما كان في نحو الثلاثين من عمره ادعى أنه رأى رؤيا تدل على أن النصرانية حق فصار نصرانيا متعصبا وبعد ما قضى "بولوس" بقية عمره أي خمسا وثلاثين سنة في حل وترحال مطوفا في أقطار آسيا الصغرى وأوروبا في البر والبحر يدعو الناس إلى النصرانية ويخبرهم بأن الله أمره بذلك ويبني الكنائس ويؤسس الجماعات ويركب الأخطار