وإن من يتأمل في رسالة الإسلام منذ بعثته صلى الله عليه وسلم إلى أن اختاره الله - عز وجل - إلى جواره يتضح له أن التدرج كان السمة البارزة في مسار الرسالة، فالقرآن الكريم أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم منجما، قال تعالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء: 106] فلقد بدأ الإسلام بأركان الإيمان لإفراد الله عز وجل بالعبودية ونبذ الشرك والوثنية، وبعد بضع سنوات من تثبيت عقيدة التوحيد في نفوس الجماعة المؤمنة فرضت الصلاة ثم الصيام والزكاة والجهاد والحج، وبالتدرج نفسه جرى تحريم المنكرات، فتحريم الخمر - للتمثيل لا الحصر - تم على مراحل، بدأت بالتحذير من مضاره وآثامه، ثم انتهت إلى تحريمه على وجه القطع. وأما في المدعوين أنفسهم فقد تدرجت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إذ بدأ بمحيطه القريب جدا " زوجته خديجة، وصاحبه أبي بكر، وابن عمه علي بن أبي طالب، وغلامه زيد بن حارثة "، ثم اتسعت الدائرة لتشمل محيطًا من أقاربه أوسع من ذي قبل عملًا بقوله - عز وجل -: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]
وبعد أن أنذر صلى الله عليه وسلم أهل مكة وصبر على أذاهم طويلًا دعا أهل الطائف ثم أعيان قبائل العرب ممن يقدمون على بيت الله الحرام.
وبعد الإذن بالهجرة إلى المدينة دعا صلى الله عليه وسلم أهل الكتاب، ثم أزال بالجهاد الذين كانوا يعيقون إبلاغ الدعوة إلى الناس، ثم أرسل الكتب إلى زعماء الروم والفرس والحبشة وغيرهم يدعوهم إلى الدخول في دين الله، وعلى النهج ذاته سار