نام کتاب : كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون نویسنده : حاجي خليفة، مصطفى جلد : 1 صفحه : 48
فتح:
ومن الشروط: مراعاة مراتب العلوم في القرب والبعد من المقصد، فلكل منها رتبة ترتيبا ضروريا، يجب الرعاية في التحصيل، إذ البعض طريق إلى البعض، ولكل علم حد لا يتعداه، فعليه أن يعرفه، فلا يتجاوز ذلك الحد.
مثلا: لا يقصد إقامة البراهين في النحو ولا يطلب، وأيضا: لا يقصر عن حده، كان يقنع بالجدل في الهيئة، وأن يعرف أيضا: أن ملاك الأمر في المعاني هو: الذوق؛ وإقامة البرهان عليه خارج عن الطوق، ومن طلب البرهان عليه أتعب نفسه.
قال السكاكي: قبل أن نمنح هذه لفنون حقها في الذكر، ننبهك على أصل، ليكون على ذكر منك، وهو أن ليس من الواجب في صناعة، وإن كان (1/ 50) المرجع في أصولها وتفاريعها إلى مجرد العقل، أن يكون الدخيل فيها كالناشئ عليها، في استفادة الذوق منها.
فكيف إذا كانت الصناعة مستندة إلى تحكمات وضعية، واعتبارات ألفية؟ فلا بأس على الدخيل في صناعة علم المعاني، أن يقلد صاحبها في بعض فتاواه، إن فاته الذوق هناك، إلى أن يتكامل له على مهل موجبات ذلك الذوق. انتهى.
فتح:
ومن الشروط: أن يأتي على ما قرأه، مستوعبا لمسائله، من مباديه إلى نهايته، بتفهم واستثبات بالحجج، وأن يقصد فيه الكتب الجيدة، وأن لا يعتقد في علم أنه حصل منه على مقدار لا يمكن الزيادة عليه، وذلك طيش يوجب الحرمان.
فتح:
ومنها: أن لا يدع فنا من فنون العلم إلا وينظر فيه نظرا، يطلع به على غايته، ومقصده، وطريقته، وبعد المطالعة في الجميع أو الأكثر إجمالا، إن مال طبعه إلى فن، عليه أن يقصده، ولا يتكلف غيره، فليس كل الناس يصلحون للتعلم، ولا كل من يصلح لتعلم علم، يصلح لسائر العلوم، بل كل ميسر لما خلق له، وإن كان ميله إلى الفنون على السواء، مع موافقة الأسباب، ومساعدة الأيام، طلب التبحر فيها، فإن العلوم كلها متعاونة، مرتبطة بعضها ببعض، لكن عليه أن لا يرغب بالآخر، قبل أن يستحكم الأول، لئلا يصير مذبذبا، فيحرم من الكل.
ولا يكن ممن يميل إلى البعض، ويعادي الباقي، لأن ذلك جهل عظيم، وإياه أن يستهين بشيء من العلوم، تقليدا لما سمعه من الجهلة، بل يجب أن يأخذ من كل حظا، ويشكر من هداه إلى فهمه.
ولا يكن ممن يذم العلم ويعدوه لجهله، مثل ذمهم: المنطق، الذي هو: أصل كل علم، وتقويم كل ذهن، ومثل ذمهم: العلوم الحكمية على الإطلاق، من غير معرفة القدر المذموم والممدوح منها، ومثل ذم: علم النجوم، مع أن بعضا منه: فرض كفاية، والبعض: مباح، ومثل ذم: مقالات الصوفية، لاشتباهها عندهم، والعلم إن كان مذموما في نفسه - كما زعموا -، فلا يخلوا تحصيله عن فائدة، أقلها رد القائلين بها.
تنبيه: اعلم: أن النظر والمطالعة في علوم الفلسفة يحل بشرطين.
أحدهما: أن لا يكون خالي الذهن عن العقائد الإسلامية، بل يكون قويا في دينه، راسخا على الشريعة الشريفة.
والثاني: أن لا يتجاوز مسائلهم المخلفة للشريعة، وإن تجاوز فإنما يطالعها للرد لا غير؛ هذا لمن ساعده الذهن، والسن، والوقت، وسامحه الدهر، عما يفضيه إلى الحرمان، وإلا فعليه: أن يقتصر على الأهم، وهو قدر ما يحتاج إليه، فيما يتقرب له إلى الله - تعالى -، وما لا بد منه في المبدأ، والمعاد، والمعاملات، والعبادات، والأخلاق، والعادات.
فتح:
ومن الشروط المعتبرة في التحصيل: المذاكرة مع الأقران، ومناظرتهم، لما قيل: العلم غرس، وماؤه درس، لكن طلبا للثواب، وإظهارا للصواب.
وقيل: مطارحة ساعة، خير من تكرار شهر. ولكن مع منصف سليم الطبع، وينبغي للطالب: أن يكون متأملا في دقائق العلم، ويعتاد ذلك، فإنما تدرك به خصوصا قبل الكلام، فإنه كالسهم، فلا بد من تقويمه بالتأمل أولا.
فتح:
ومنها: الجد، والهمة، فإن الإنسان يطير بهما إلى شواهق الكمالات، وأن لا يؤخر شغل يوم إلى غد، فإن لكل يوم مشاغل، ولا بد أن يكون معه محبرة في كل وقت، حتى يكتب ما يسمع من الفوائد، ويستنبطه من الزوائد، فإن العلم صيد، والكتابة قيد.
وينبغي أن يحفظ ما كتبه، إذ العلم ما ثبت في الخواطر، لا ما أودع في الدفاتر، بل الغرض منه: المراجعة إليها عند النسيان، لا الاعتماد عليها.
نام کتاب : كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون نویسنده : حاجي خليفة، مصطفى جلد : 1 صفحه : 48