نام کتاب : كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون نویسنده : حاجي خليفة، مصطفى جلد : 1 صفحه : 42
المنظر الرابع: في أن الرحلة في الطلب مفيدة
وسبب ذلك: أن البشر يأخذون معارفهم، وأخلاقهم، وما ينتحلونه من المذاهب تارة: علما، وتعليما، وإلقاء، وتارة: محاكاة، وتلقينا بالمباشرة؛ إلا أن حصول الملكات على المباشرة (1/ 44) والتلقين، أشد استحكاما، وأقوى رسوخا، فعلى قدر كثرة الشيوخ، يكون حصول الملكة، ورسوخها.
والاصطلاحات أيضا في تعليم العلوم مغلطة على المتعلم، حتى ظن كثير منهم أنها جزء من العلم، ولا يدفع عنه ذلك، إلا بمباشرته، لاختلاف الطرق فيها من المعلمين، فلقاء أهل العلم، وتعدد المشايخ، يفيده تمييز الاصطلاحات، بما يراه من اختلاف طرقهم فيها، فيجرد العلم عنها، ويعلم أنها أنحاء تعليم، وتنهض قواه إلى الرسوخ، والاستحكام في الملكات؛ فالرحلة لا بد منها في طالب العلم، لاكتساب الفوائد، والكمال بلقاء المشايخ، ومباشرة الرجال.
المنظر الثالث: في أن العلم من جملة الصنائع، لكنه أشرفها
واعلم: أن الحذاقة والتفنن في العلم، والاستيلاء عليه، إنما هو بحصول الملكة في الإحاطة بمباديه، وقواعده، والوقوف على مسائله، واستنباط فروعه من أصوله؛ وهذه الملكة هي غير الفهم.
والملكات كلها جسمانية، والجسمانيات كلها محسوسة، فتفتقر إلى التعليم، فيكون صناعيا، ولذلك كان السند فيه معتبرا، وجميع ما يسمونه علما أو صناعة، فهو عبارة عن ملكة نفسانية، يقتدر بها صاحبها على النظر في الأحوال العارضة لموضوع ما، من جهة ما، بحيث يؤدي إلى الغرض.
فالعلم إذا ما اختص في الجنان، واللسان؛ والصناعة إذا ما احتاجت إلى عمل بالبنان، كالخياطة.
وقد قيل: إن المعلومات الحاصلة لصاحب هذه الملكة، لا تخلو.
إما أن تحصل على: الاستقراء والتتبع، كالنحو، وصنائع الفصاحة، والبديع.
أو تحصل عن: النظر والاستدلال، كعلم الكلام.
فالأول: يسمى الصناعة، والثاني: العلم.
لكن الزمخشري قد عكس في أول تفسيره، فسمى المعاني والبيان: علما، وسمى الكلام: صناعة.
فقال الطيبي: والحق أن كل علم مارسه الرجل حتى صار له حرفة، سمي ذلك عندهم صنعة، واستشهد عليه بما قاله الزمخشري، في قوله - سبحانه وتعالى -: (لبئس ما كانوا يصنعون) .
والأَوْلى: أن يقال: إن أريد العرف الخاص فلا ينضبط، وإن أريد العرف العام المتبادر إلى الأذهان، عند الإطلاق، فالحق ما قيل أولا، إذ لا يطلق على الأساكفة أنهم علماء، ولا على صنائعهم أنها علوم؛ وإن كانت أفعالهم لا تصدر إلا عن علم العلماء، وحكمة الحكماء، فالصنائع: الحكم التي تفتقر إلى تصور الجنان، وتمرين البنان، فإن أطلقت الصناعة على ما لا وجود له في الأعيان، فبالمجاز على طريق التشبيه.
وأطلقوا على العالم صانعا، للتنبيه على أنه أحكم علمه، وتفرس فيه.
واعلم: أن تعليم العلم من جملة الصنائع، إذ هو صناعة اختلاف الاصطلاحات فيه، فلكل إمام اصطلاح في التعليم، يختص به، شأن الصنائع، ألا ترى إلى علم الكلام، كيف يخالف في تعليمه اصطلاح المتقدمين والمتأخرين؟ فدل على أنها صناعات في التعلم، والعلم واحد.
ولما كان التعليم من جملة الصنائع، كان العلوم تكثر حيث يكثر العمران، ويكون نسبة الصنائع في الجودة والكثرة، بحسب الأمصار، على نسبة عمرانها في: الكثرة، والقلة، والحضارة، لأنه أمر زائد على المعاش، فمتى فضلت أعمال أهل العمران عن معاشهم، انصرفت إلى ما وراء المعاش، من التصرف في خاصية الإنسان، وهي: العلوم، والصنائع؛ ومن تشوق بفطرته إلى العلم، ممن نشأ في القرى، فلا يجد فيها التعليم، لا بد له من الرحلة في طلبه إلى الأمصار.
نام کتاب : كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون نویسنده : حاجي خليفة، مصطفى جلد : 1 صفحه : 42