نام کتاب : كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون نویسنده : حاجي خليفة، مصطفى جلد : 1 صفحه : 25
الإفهام الأول: في أن العلم طبيعي للبشر، وأنه محتاج إليه
اعلم أن الإنسان قد شاركه جميع الحيوان في حيوانيته من: الحس، والحركة، والغذاء،.. وغير ذلك من اللوازم.
وإنما يمتاز عنه: بالفكر، وإدراك الكليات، الذي يهتدى به لتحصيل معاشه، والتعاون عليه بأبناء جنسه، وقبول ما جاءت به الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -، عن الله - سبحانه وتعالى -، والعمل، واتباع صلاح أخراه، فهو مفكر في ذلك دائما، لا يفتر عنه، وعن هذا الفكر تنشأ العلوم والصنائع، ثم لأجله، ولما جبل عليه الإنسان، بل الحيوان من تحصيل ما تستدعيه الطباع، يكون الفكر راغبا في تحصيل ما ليس عنده من الإدراكات، فيرجع إلى ما استفاد عنه، إما من الأفواه، أو من الدوالِّ عليه.
فهذا ميل طبيعي من البشر، إلى الأخذ، والاستفادة.
فمنهم: من ساعده فهمه.
ومنهم: من لم يساعده، مع ميله إليه.
وأما عدم الميل، فلأمر عارضي، كفساد المزاج، وبعد المكان عن الاعتدال، فلا اعتداد به.
الفصل الأول: في سببها
وفيه: إفهامات.
الإفهام الثاني: في أن العلم والكتابة: من لوازم التمدن
واعلم: أن نوع الإنسان، لما كان مدنيا بالطبع، وكان محتاجا إلى إعلام ما في ضميره إلى غيره، وفهم ما في ضمير الغير، اقتضت الحكمة الإلهية إحداث دوالَّ، يخف عليه إيرادها، ولا يحتاج إلى غير الآلات الطبيعية، فقاده الإلهام الإلهي، إلى استعمال الصوت، وتقطيع النفس الضروري بالآلة الذاتية، إلى حروف يمتاز بعضها عن بعض، باعتبار مخارجها، وصفاتها، حتى يحصل منها بالتركيب، كلمات دالة على المعاني الحاصلة في الضمير، فيتيسر لهم فائدة التخاطب، والمحاورات، والمقاصد التي لا بد منها في معاشهم.
ثم إن تركيبات تلك الحروف، لما أمكنت على وجوه مختلفة، وأنحاء متنوعة، حصل لهم السنة مختلفة، ولغات متباينة، وعلوم متنوعة.
ثم إن أرباب الهمم، من بين الأمم، لما لم يكتفوا بالمحاورة في إشاعة هذه النعم، لاختصاصها الحاضرين، سمت همتهم السامية، إلى إطلاع الغائبين، ومن بعدهم، على ما استنبطوه من المعارف والعلوم، وأتعبوا نفوسهم في تحصيلها، لينتفع بها أهل الأقطار، ولتزداد العلوم بتلاحق الأفكار، وضعوا قواعد الكتابة الثابتة نقوشها، على وجه كل زمان، وبحثوا عن أحوالها من الحركات، والسكنات، والضوابط، والنقاط، وعن تركيبها، وتسطيرها، لينتقل منها الناظرون إلى الألفاظ والحروف، ومنها إلى المعاني، فنشأ من ذلك الوضع: جملة العلوم، والكتب.
الإفهام الثالث: في أوائل ما ظهر من العلم والكتاب
واعلم: أنه يقال: إن آدم - عليه السلام - كان عالما بجميع اللغات، لقوله - سبحانه وتعالى: (وعلم آدم الأسماء كلها ... الآية) .
قال الإمام الرازي: المراد: أسماء كل ما خلق الله - تعالى - من أجناس المخلوقات، بجميع اللغات التي يتكلم بها ولده اليوم، وعلم أيضا معانيها، وأنزل عليه كتابا، وهو كما ورد في حديث أبي ذر - رضي الله تعالى عنه - أنه قال: يا رسول الله، أي كتاب أنزل على آدم - عليه السلام -؟ قال: كتاب المعجم، قلت: أي كتاب المعجم؟ قال: أب ت ث ج، قلت: يا رسول الله، كم حرفا؟ قال: تسعة وعشرون حرفا ... ) الحديث.
وذكروا: أنه عشر صحف، فيها سورة مقطعة الحروف، وفيها الفرائض، والوعد، والوعيد، وأخبار الدنيا والآخرة.
وقد بين أهل كل زمان، وصورهم، وسيرهم، مع أنبيائهم، وملوكهم، وما يحدث في الأرض من الفتن والملاحم.
ولا يخفى أنه مستبعد عند أصحاب العقول القاصرة، وأما من أمعن النظر في الجفر، ولاحظ شموله على غرائب الأمور، فعنده ليس ببعيد، سيما في الكتب المنزلة.
وروي أن آدم - عليه السلام - وضع كتابا بأنواع الألسن والأقلام، قبل موته بثلاثمائة سنة، كتبها في طين، ثم طبخه، فلما أصاب الأرض الغرق، وجد كل قوم كتابا، فكتبوه من خطه، فأصاب إسماعيل - عليه السلام - الكتاب العربي، وكان ذلك من معجزات آدم - عليه السلام -، ذكره السيوطي في (المزهر) .
وفي رواية: أن آدم - عليه السلام - كان يرسم الخطوط بالبنان، وكان أولاده تتلقاها، بوصية منه، وبعضهم بالقوة القدسية القلبية، وكان أقرب عهد إليه، إدريس - عليه السلام -، فكتب بالقلم، واشتهر عنه من العلوم ما لم يشتهر عن غيره، ولقب: بهرمس الهرامسة، والمثلث بالنعمة، لأنه كان نبيا، ملكا، حكيما.
وجميع العلوم التي ظهرت قبل الطوفان، إنما صدرت عنه في قول كثير من العلماء، وهو: هرمس الأول، أعني: إدريس بن برد مهلايل بن أنوش بن شيث بن آدم - عليه السلام -، المتمكن بصعيد مصر الأعلى.
وقالوا: إنه أول من تكلم في الأجرام العلوية، والحركات النجومية، وأول من بنى الهياكل، وعبد الله - تعالى - فيها، وأول من نظر في الطب، وألف لأهل زمانه قصائد في: البسائط، والمركبات، وأنذر بالطوفان، ورأى أن آفة سماوية تلحق الأرض، فخاف ذهاب العلم، فبنى الأهرام التي في صعيد مصر الأعلى، وصور فيها جميع الصناعات والآلات، ورسم صفات العلوم والكمالات، حرصا على تخليدها، ثم كان الطوفان، وانقرض الناس، فلم يبق علم ولا أثر، سوى من في السفينة من البشر، وذلك مذهب جميع الناس، إلا المجوس، فإنهم لا يقولون بعموم الطوفان، ثم أخذ يتدرج الاستئناف والإعادة، فعاد ما اندرس من العلم إلى ما كان عليه من الفضل والزيادة، فأصبح مؤسس البنيان، مشيد الأركان، لا زال مؤيدا بالملة الإسلامية، إلى يوم الحشر والميزان.
الباب الثاني: في منشأ العلوم والكتب
وفيه: فصول أيضا
نام کتاب : كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون نویسنده : حاجي خليفة، مصطفى جلد : 1 صفحه : 25