responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مجلة مجمع الفقه الإسلامي نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 4  صفحه : 863
"ويظهر أنه أدرك المرارة التي أصيب بها البيزنطيون من خروج الحبش من اليمن ومن دخول الفرس إليها، وسيطرتهم بذلك على باب المندب، مفتاح البحر الأحمر. فتقرب إلى الروم وتوسل إليهم لمساعدته بكل ما عنده من وسائل لتنصيب نفسه ملكًا على مكة , علما منه أن هذا الطلب سيجد قبولًا لديهم , وأن في إمكانهم في حالة عدم رغبتهم بمساعدته مساعدة عسكرية أو مالية، الضغط على سادات مكة ضغطًا اقتصاديًا بعرقلة تجارتهم مع بلاد الشام أو بمنع الاتجار مع مكة، أو برفع مقدار الضرائب التي تؤخذ عن تجارتهم، وبذلك يوافقون على الاعتراف به ملكًا عليهم على نحو ما كان عليه الملوك الغساسنة"
(1)
وواضح أنه لم يلق استجابة من البيزنطيين لتحقيق مطامعه، إذ واجه معارضة صامدة من أشراف مكة وأثريائها؛ لأنهم كانوا تجارًا يتاجرون مع الفرس والروم، وانحيازهم إلى الروم معناه خروج مكة عن سياسة الحياد التي اتبعوها اتجاه
المعسكرين. وذلك من شأنه الإضرار بتجارتهم ووضعهم تحت رحمة الروم واحتكارهم وحدهم , فضلًا عن أن "بين أهل مكة رجال لهم شأن ومكانة في قومهم وكانوا أرفع منزلة من (عثمان بن الحويرث) ، لذلك لم يكن من الممكن بالنسبة لهم الانصياع له حتى وإن أرسل الروم جيشًا قويا منظما على مكة" (2)
وقد وقفنا هونا عند محاولة (عثمان) هذه لأنها تصور مدى ما وقر في أنفس الحجازيين من عمق العلاقة والتأثر والتأثير بين عرب شمال الجزيرة ومراكز الحكم في الشام، سواء كانت بيزنطية أم عربية خاضعة للبيزنطيين. وآية ذلك أن (عثمان) لم يحاول الاستعانة بالفرس وقد غلبوا على اليمن بعد أن أخفق في تحقيق مطامعه لدى البيزنطيين، إذ كان يدرك أن محاولة مثل هذه ستجلب له عداء أشد وعنادًا أصلب من أشراف مكة وأثريائها.
وما نريد أن نتابع تطور العلاقات التجارية بين الحجازيين والروم، أو بينهم والحبشة، فذلك ليس من شأننا في هذا المجال , بحسبنا أن نؤكد مدى التفاعل الحضاري المنعكس على العادات والتقاليد والأعراف والتشريعات بين الفريقين تفاعلًا كان له أبلغ الأثر في تكييف مفاهيم الفقهاء للتشريع الإسلامي.

(1) المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام. ص: 39.
(2) المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام. ص: 40 بتصرف.
نام کتاب : مجلة مجمع الفقه الإسلامي نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 4  صفحه : 863
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست