responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مجلة مجمع الفقه الإسلامي نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 4  صفحه : 1041
وبهذا الاعتبار يستقيم تعليل الدعوة الملحة وربما الصاخبة التي جهر بها وتصدرها رافع في أواخر عهد معاوية إلى الإقلاع عن كراء الأرض مع سكوته طيلة عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وصدرًا من خلافة معاوية.
ذلك بأن الفتوحات كانت في عهد الخلفاء الراشدين الأربعة قد استغرقت معظم جهود المسلمين، وكان إقبالهم على ابتغاء المال واستثماره محدودًا وكان عمر - رضي الله عنه - يكبح من جماح الطامحين إلى التمول بالزراعة حتى قيل: إنه أحرق زرع بعض من اشتغلوا بالزراعة من المسلمين بالشام بعد فتحها، وإن يكن لبعضهم كلام في صحة هذه القصة أشفق بعض المتفقهين والنقلة والنقدة من أن يكون عمر قد أحرق زراعة بعض الجند الذين كانوا في جيش أبي عبيدة عامر بن الجراح ومن قبله في جيش خالد الذي تولى غزو الروم وفتح الشام , فقالوا ما مفاده: إن عمر لا يقدم على إحراق ما للغير من المسلمين وحرمانهم منه , واعتمد البعض على مثل هذه المقولات وعلى غمز قيل في بعض رواة هذه القصة في إنكاره صحتها: ولسنا بسبيل تحقيق النصوص الواردة في تصرفات عمر والمسجلة لسيرته , وإنما نحن بسبيل النظر في جوانب مما يتصل بهذا البحث منها , لذلك لا ندخل مع هؤلاء وأولئك في جدل حول صحة القصة أو عدم صحتها سنده ما تواضعوا عليه من قواعد الجرح والتعديل , حسبنا أن نبرز حقيقة لا مناص لأي باحث من اعتبارها , وهي أن عمر - رضي الله عنه - كان يراجح بين المصلحة الخاصة والمصلحة العامة في جميع تصرفاته وأحكامه وإلى عماله وقواده، وما من أحد يماري في أن المصلحة العامة يومئذ كانت تقتضي أن يصرف الجند همهم وجهدهم لما هم بسبيله من الفتوح ونشر الأسلام وحماية ثغوره وملاحقة أعدائه أو الترصد لهم على الأقل، وبدهي أن الجند إذا صرفوا بعض جهدهم وهمهم إلى الزراعة وما شاكلها من الكسب , توزعت هممهم وبلبلت فكرهم بين واجبهم الحربي كجند ودواعيهم الدنيوية كمحترفين للفلاحة أو التجارة أو غيرهما وذلك من شأنه أن يحدث على الأقل عدم تركيز للقوى المادية والفكرية إلى الوجهة التي من أجلها نفروا أو استنفروا , فطبيعي إذن أن يحذر الخليفة هذه العاقبة وما ينتج عنها وأن يدرأها بما يحسمها ويمنع من أن تتكرر منعًا لا يقبل التأويل أو الاعتذار. فتأمل. فلما تقدم العهد بخلافة معاوية وتغيرت السياسات وسيطرت الاعتبارات الدنيوية عليها وكثر المسلمون، فلم تعد تستغرقهم الفتوحات، بل إن الفتوحات نفسها هدأ نشاطها نسبيا، واتجه الناس إلى استثمار الأرض بجهودهم وأموالهم , ولعل فيهم من لم تكن لديه خبرة في الفلاحة، فهو لا يشتري بماله جهود الآخرين فحسب , وإنما يشتري خبرتهم أيضًا , ولعل فيهم الخبير الذي أكسته النعمة , فأمسك عن العمل بنفسه , واعتمد على خبرة الآخرين وجهودهم العضلية، وبذلك أخذت تنشأ طبقة المترفين وطبقة العمال مما أفزع رافعًا، فقام بدعوته منكرًا لهذا الوضع الذي رآه قد أنشأ ظروفًا أين منها تلك الظروف التي أفرزت نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض؟

نام کتاب : مجلة مجمع الفقه الإسلامي نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 4  صفحه : 1041
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست