responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مجلة المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 24  صفحه : 388
الكاتب: حسني عبد الهادي

من الخرافات إلى الحقيقة
(9)
بابك ومذهبه:
في أوائل خلافة المأمون ظهر في ولاية (مازندران) رجل اسمه بابك. وفي
تلك الآونة كان العرب مشغولين باختلافات داخلية. لذلك صمم الرجل أن يستفيد من
ذلك الاضطراب إعادة السلطنة الفارسية. وكان هذا المتخيل من طائفة مجوسية
اسمها (خرميه) .
وخلاصة مذهبه: هدم قواعد الأخلاق من أساسها؛ لأن الأخلاق أساس الدين.
ثم طفق ينشر عقيدة التناسخ، وعندما كثر أتباعه اعتصم في قلعة منيعة في
مازندان، وأخذ ينشر تعاليمه منها، وكان بين آونة وأخرى يخرج من قلعته وينهب
القرى والبلاد المجاورة، ويقتل الرجال ويأسر النساء، فكان قتل النفوس والزنا
وجميع المحرمات مباحة دينًا في مذهب بابك وبهذا كثر أتباعه.
ظل هذا الرجل في قلعة (بذر) عشرين سنة ينفث منها سمومه بين العرب
المسلمين لتجرئتهم على مخالفة أحكام الدين الإسلامي لأجل أن تنحل الرابطة التي
بينهم، وعندئذ لا يجد الساعون لإعادة المجد الفارسي أمامهم معارضين أشداء. ثم
أرسل الخليفة المعتصم عام 223 قائدًا تركيًّا اسمه (آفشين) للقضاء على هذا
الرجل فَوُفِّقَ لإراحة المسلمين من وجوده. ولكنه لم يستطع أن يقلع ما بذره من
الشرور في أدمغة العوام فلم تنقض سنة 260 إلا وقد ظهر مذهب آخر اسمه
(مذهب القرامطة) في زمان مُلكْشَاه أحد ملوك السلجوقيين في مازندران أيضًا.
وكان نبات هذا المذهب من الجذور السامة التي غرسها بابك
***
خروج الإسلامية عن صبغتها الأولى ومن السبب؟
إن شدة الأمويين في السياسة وحيلهم للاغتصاب قَلَبَ أفكار المسلمين عليهم.
فكان الإيرانيون والعراقيون ظمآنين للانتقام منهم، ولا سيما مظالم الحجاج وعبد
الله بن زياد فقد كانت من أهم الأسباب لانقلاب الأفكار على بني أمية؛ لأن الشدة
والبطش في الإدارة تنتج ضد ما يُرَاد منها دائمًا، فإن أنالت الجبارين شيئًا من
مُبْتَغَاهم عاجلاً، فلا بد أن تنعكس القضية بعد حين ويتباعد عنهم الناس. وبعد أن
يبقوا منفردين يُبطش بهم كما بطشوا بغيرهم، هذه قاعدة عامة جاء مفعولها في كافة
أدوار التاريخ.
وجملة القول: إن شدة الإدارة في زمان بني أمية كانت من جملة الأسباب
التي حملت رجال الفرس على العمل باسم الدين والانتقام فظهرت أحزاب متعددة
ظاهرها ديني وباطنها سياسي يراد به تفكيك عُرَى الإسلام والمسلمين، وأهم هذه
الفرق:
(1) الشيعة [2] الإمامية [3] الكاملية (4) العليائية (5) المغيرية (6) الهاشمية (7) اليونسية (8) المفوضة.
***
الشيعة
كان دعاتها يدعون أن الإمامة والخلافة أو الوصاية خفية أو جلية منحصِرة في
علي بن أبي طالب وأولاده، ويرفضون أساس الانتخاب والبيعة ويعدون الخلافة
من أركان الدين ويحيلون ترك النبي صلى الله عليه وسلم إياها بدون بيان ولا
وصية. إن بعض الشيعة لم يبعدوا عن أهل السنة كثيرًا مثل الجعفريين ومنهم أهل
إيران ولكن هناك غلاة الشيعة الذين يبغضون السني أكثر من بغضهم لليهودي
والنصراني! شيء غريب. إن عملهم هذا مخالفة صريحة لأفكار سيدنا علي بن أبي
طالب الذي يدّعون الانتصار له، وقد آن الأوان للعدول عن سياسات باطنها غير
ظاهرها، فليتنبه المسلمون [1] ! ! !
***
الإمامية
أول اختلاف ظهر بين المسلمين نشأ من مسألة الإمامة. نعم إن نارها أُطفئت
في (سقيفة بني ساعدة) يوم بويع الصديق. إلا أن ذلك كان ظاهريًّا ودليلنا الفرق
المتعددة التي ظهرت بعد ذلك.
ادعى بعض الناس أن هناك نصًّا نبويًّا على إمامة سيدنا علي، وأنه أفضل
الأنبياء والأولياء بعده صلى الله عليه وسلم وأن لأولاده وأحفاده ما له من الفضيلة
والرجحان. ويتهم هؤلاء أبا بكر وعمر وعثمان بغصب حقوق أبي الحسنين.
يزعم هؤلاء أن الإمامة مُنْحَصِرَة في اثني عشر إمامًا من أحفاد علي
المرتضى وأنه ظهر منهم إلى اليوم أحد عشر، وأن الثاني عشر موجود إلا أنه لم
يظهر إلى الآن، وأنه سيظهر يوم يعم الظلم وجه الأرض، فيملأها نورًا وعدلاً.
هذه العقيدة شبيهة بعقيدة الفُرس في (هرمز) لأن العجم كانوا يعتقدون أنه عندما
يسود الباطل على الحق يظهر (هرمز) وينصر الحق على الباطل.
فهذه الخرافة قد دخلت على الإسلام من إيران أيضًا. ولكنهم بدَّلُوا باسم
(هرمز) اسمًا عربيًّا هو (المهدي والقائم المنتظر) ويزعم هؤلاء أن اسم علي كان
مذكورًا في القرآن الشريف، وأن عثمان ذا النورين أخرجه منه حين الجمع.
وإلى القارئ الكريم الآيات المزعوم إخراجها من القرآن الشريف [2] :
***
ما افتراه بعض الزنادقة على القرآن
(يا أيها الذين آمنوا بالنورين أنزلناهما يتلوان عليكم آياتي ويحذرانكم عذاب
يوم عظيم. نوران بعضهما من بعض وأنا السميع العليم. إن الذين يوفون بعهد الله
ورسوله في آيات (؟) لهم جنات النعيم. والذين كفروا من بعد ما آمنوا بنقضهم
ميثاقهم وما عاهدهم الرسول عليه يقذفون في الجحيم. ظلموا أنفسهم وعصوا الوحي
الرسول (؟) أولئك يسقون من حميم. إن الله الذي نور السموات والأرض بما شاء
واصطفى من الملائكة والرسل (؟) وجعل من المؤمنين (؟) أولئك في خلقه يفعل
الله ما يشاء. لا إله إلا هو الرحمن الرحيم. قد مكر الذين من قبلهم برسلهم فأخذتهم
بمكرهم إن أخذي شديد أليم. إن الله قد أهلك عادًا وثمودًا بما كسبوا وجعلهم لكم
تذكرة أفلا تتقون. ليكون لكم آية وإن أكثركم فاسقون، إن الله يجمعهم يوم الحشر
فلا يستطيعون الجواب حين يسألون، إن الجحيم مأواهم وإن الله عليم حكيم. يا
أيها الرسول بلغ إنذاري فسوف يعلمون، قد خسر الذين كانوا عن آياتي وحكمي
معرضون (؟) مثل الذين يوفون بعهدك إني جزيتهم (؟) جنات النعيم، إن الله
لذو مغفرة وأجر عظيم، وأن عليًّا لمن المتقين، وإنا لنوفيه حقه يوم الدين. ما
نحن عن ظلمه غافلين، وكرمناه على أهلك أجمعين، فإنه وذريته لصابرون، وإن
عدوهم إمام المجرمين، قل للذين كفروا بعد ما آمنوا طلبتم زينة الحياة الدنيا
واستعجلتم بها ونسيتم ما وعدكم الله ورسوله ونقضتم العهود من بعد توكيدها وقد
ضربنا لكم الأمثال لعلكم تهتدون، يا أيها الرسول إنا أنزلنا إليك آيات بينات فيها
من يتوفه مؤمنًا (؟) ومن يتوله بعدك يظهرون (؟) فأعرض عنهم إنهم
معروضون، إنا لهم محضرون، في يوم لا يغني عنهم شيء ولا هم يرحمون، إن
لهم في جهنم مقامًا عنه لا يعدلون (؟) فسبح باسم ربك وكن من الساجدين، ولقد
أرسلنا موسى وهارون بما استخلف فبغوا هارون (؟) فصبر جميل (؟)
فجعلنا منهم القردة والخنازير، ولعناهم إلى يوم يبعثون. فاصبر فسوف يبصرون،
ولقد آتيناك الحكم كالذين من قبلك من المرسلين، وجعلنا لك منهم وصيا لعلهم
يرجعون، ومن يتول عن أمري فإني مرجعه (؟) فليتمتعوا بكفرهم قليلا، فلا
تسأل عن الناكثين، يا أيها الرسول قد جعلنا لك في أعناق الذين آمنوا عهدًا فخذه
وكن من الشاكرين.
إن عليًّا قانتًا بالليل ساجدًا (؟) يحذر الآخرة ويرجو ثواب ربه. قل هل
يستوي الذين ظلموا وهم بعذابي يعلمون (؟) سيجعل الأغلال في أعناقهم وهم على
أعمالهم يندمون، إنا بشرناك بذرية صالحين، وإنهم لأمرنا لا يخلفون، فعليهم مني
صلوات ورحمة أحياء وأمواتًا يوم يبعثون، وعلى الذين سلكوا مسلكهم مني رحمة،
وهم في الغرفات آمنون، والحمد لله رب العالمين [*] اهـ.
ومن نظر هذه العبارات يرى لأول وهلة أن لا علاقة بينها وبين القرآن الكريم.
وما سبّب تلفيقها إلا تفريق كلمة المسلمين. ليتهيأ للفرس إعادة مجد إيران أثناء
اشتغال الأمة بالخصام [3] .
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... المترجم
... ... ... ... ... ... ... ... ... حسني عبد الهادي
((يتبع بمقال تالٍ))

[1] المنار: قد أخطأ المؤلف خطأً ظاهرًا في جعله الشيعة فرقة مستقلة غير الإمامية وجعلها منقسمة إلى معتدلين كالجعفرية - وهم شيعة إيران - وإلى غلاة لم يذكر أين هم ولا ما اسمهم، فالجعفرية إذًا غير الإمامية، والصواب أن الجعفرية هم الإمامية، وأن الشيعة مقسم لا قسم، فمن أقسامها الإمامية الجعفرية، ومنها الزيدية وهم أشدهم اعتدالاً وأقربهم من أهل السنة، ومنها الفرق الأخرى التي ذكرها وغيرها، ثم إنه قد نقض ما بناه من جعل جميع ما أنكره على الشيعة والظاهرية والباطنية نابعًا من إيران وصادرًا عن روح الإيرانية المجوسية وقد نبهنا من قبل وبيَّنا أن هذا البحث كله تاريخي، وأن روح الجامعة الإسلامية قد استيقظت في جميع المسلمين وطفقت تصلح ما أفسد الدهر بينهم.
[2] إن هذا مما افتراه بعض الروافض وسموه سورة، ولم يكن مفتريها متقنًا للغة العربية فجاءت في غاية الضعف والركاكة على أن أكثر ألفاظها منقولة من سور أخرى ولكنه لم يحسن التأليف بينها، ولم يضعها في مواضعها اللائقة بها فكثر خطأه في مفرداتها وأساليبها، وظن أنه حاكى القرآن، وأبطل حجة الإعجاز بتقليده في الفواصل لآياته لظنه أنه لا يمتاز على كلام البشر إلا بفواصله، ومن سوء حظه وحظ فرقته أنه جمع بين ضعف العقل والفهم والحرمان من العلم، فخاطب المؤمنين بقوله (وإن أكثركم فاسقون) ولو شئت أن أبين أغلاطه اللغوية النحوية والبيانية لألفت فيها كتابًا وناهيك بقوله: أنزلنا إليك آيات بينات فيها من يتوفه مؤمنًا ومن يتوله من بعدك يظهرون! وقوله: ولقد أرسلنا موسى وهارون بما استخلف فبغوا هارون فصبر جميل! وناهيك بقوله: إن عليًّا قانتًا بالليل ساجدًا يحذر الآخرة ويرجو ثواب ربه قل هل يستوي الذين ظلموا وهم بعذابي يعلمون! تأمل أيها القارئ كيف حرف بهذه الصفة قول الله تعالى: [أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ] (الزمر: 9) .
(*) انتهت الأفيكة الركيكة، وقد نبهنا بعلامة الاستفهام إلى أقبح ذلك فيها، ولظهور ذلك لكل أحد لم يعدها أحد شبهة تحتاج إلى الرد عليها لا من المسلمين ولا من غيرهم.
[3] حاشية للمترجم: إن هذه الطريقة هي نفس الطريقة التي سلكها نصارى سورية الذين تعلموا في المدارس الأجنبية: الإيرانيون قصدوا إعادة مجد كسرى ففرقوا بين أكابر الصحابة وقصد نصارى السوريين إعادة مجد قيصر الرومان ففرقوا بين العرب والترك بحجة العربية فما كانت النتيجة بعد أن نالوا مبتغاهم؟ تركوا العرب والعربية وأصبحوا إنجليزا وفرنسيين وهذه غاية من يستعجل الشيء قبل أن يستكمل وسائطه، الفرس أسسوا دولة العباسيين ثم الصفويين ونالوا المبتغى ونصارى سورية أيضًا أسسوا فيها حكومتي الإنجليز والإفرنسيس ونالوا المقصد وفي الحالتين خسر العرب المسلمين وفي الحالتين كانوا آلة لزوال حاكميتهم ولحد اليوم قل من يعتبر.
نام کتاب : مجلة المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 24  صفحه : 388
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست