نام کتاب : مجلة المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد جلد : 10 صفحه : 61
الكاتب: محمد رشيد رضا
تقريظ المطبوعات
(وقائع الحرب)
نظم فارس أفندي الخوري أحد كتاب الشام وشعرائها المشهورين أربع
قصائد في تاريخ الحرب بين الروس واليابان؛ التي كان مبدأها أوائل فبراير
(شباط) سنة 1904 ونهايتها في أوائل سبتمبر (أيلول) سنة 1905. وأهداها
إلى صديقه الدكتور حسين أفندي حيدر فطبعها هذا طبعًا متقنًا بمطبعة الأخبار
بمصر، وهي تباع بمكتبة المنار بشارع درب الجماميز بقرشين صحيحين.
وإننا نورد بعض الفصول من هذه القصائد؛ لما فيها من الفائدة والعبرة في
ثوب الفكاهة والتسلية؛ ومنها يعلم القارئ درجة الناظم في القدرة على نظم
الوقائع وضبطها مع الإنصاف، والأمانة في النقل، وتحري تنبيه الذهن وإنارة
العقل، قال في القصيدة الأولى وهو الفصل [5]، [6]، [7] (وما في الهوامش من
تفسير بعض الكلم منقول من الأصل؛ إذ وضع في آخره جدول لذلك) .
(نكبة الروس بغرق الأميرال مكروف على الدارعة بتروبالسك في 13
نيسان سنة 1904)
سعى طوغو على مكروف يوم الـ ... ـلقا، وأعد تدبيرًا مريرا
أقام له الفخاخ بكل وجه ... يؤججه بها نارًا حرورا
وناصبه بعرض البحر حربًا ... فكر عليه لا يخشى نكيرا
أثارته الشهامة عن عرين ... ويأبى الليث إلا أن يثورا
فقاتله وناضله بقلب ... يريه كل معتاص يسيرا
ولكن قلما عدد قليل ... يفوز ويغلب العدد الكثيرا
تدفقت الكرات عليه حتى ... رأى في الكر موقفه مبيرا [1]
فدار إلى الخليج يريد أمنًا ... وكان بواره في أن يدورا
مضى يجتاز فوق فخاخ طوغو ... كملاح يحاذر أن يجورا
إلى أن شقت الغمرات فاهًا ... وأصعدت البلايا والسعيرا
فشاهد تحت أخمصه جحيمًا ... وقد فتحت قذائفه حفيرا [2]
كأن جهنما وجدت سبيلاً ... ومطوياتها لقيت نشورا
كأن هناك بركانًا تلظى ... وأطلق في الفضا نارًا ونورا
كأن البحر غضبان عليهم ... لما جروا على الدنيا شرورا
طوى بضميره حنقًا، فلما ... دنا مكروف كاشفة الضميرا
هوت فيه السفينة في خليج ... وكانت قبل تخترق البحورا
على مكروف، قد بكت البواكي ... وأطلقت المدامع والشعورا
ففاض له بأرض الروس دمع ... يؤلف لو يضم معًا غديرا
بمصرعه عزوم الروس خارت ... وحق لها بذلك أن تخورا
رجاء القوم معقود عليه ... ليدفع عنهم الخطب العسيرا
أميرهُمُ وعند أشد ضيق ... يراد لكشفه فقدوا الأميرا
فكان بهديه قمرًا مضيئًا ... وكان بكره أسد مزيرا [3]
وإن الروس لا يسلون عنه ... ولو وجدوا له فيهم نظيرا
(6)
(الوقعة البرية الأولى على نهر يالو في [1] أيار سنة 1904)
أقام الروس في يالو قلاعًا ... على تحصينها صرفوا شهورا
مسيل النهر دونهم فظنوا الـ ... ـعدى لا يستطيعون العبورا
ومن خاض البحور إلى الأعادي ... أيأبى أن يخوض لهم نهورا؟
مشى اليابان لا يخشون بؤسًا ... وماء النهر يكتنف الصدورا
بجيش كل من فيه جريء ... تمنى للأعادي أن يطيرا
وصبوا من مدافعهم كرات ... يفلق عزم صدمتها الصخورا
لئن صبرت جيوش الروس شيئًا ... فبعد هنيهة ولت ظهورا
وأبقت من ذخائرها نهابا ... ومن أعتادها شيئًا كثيرا [4]
ولليابان في الآثار ... شد ... فكم قتلوا وكم أخذوا أسيرا
أتوا أَنْطُنْغَ بالرايات، حتى ... على أسوارها خطرت خطيرا
لعمرك ليس يحمي السور مُدْنًا ... إذا عدمت من التدبير سورا
فهل حدثت في أخبار دلني ... وما شادوا بساحتها قصورا
وما قد أنفقوا عملاً ومالاً ... على المرسى وكيف جرى أخيرا
أباحوها إلى اليابان غنمًا ... وما نالوا على نصب أجورا
ولا عجب لمختال مدل ... إذا أخلى الحواضر والثغورا
إذا غفل الرعاة عن المواشي ... فمن ذا يدرأ الأسد الهصورا
وإن الخاشع اليقظان يكوي ... بحد حسامه البطل الفخورا
كذلك من توخى البغي متنًا ... تراه بدون معثرة عثورا
(7)
(وقعة كنشو)
وكنشو بالمدافع منعوها ... وولوا حفظها جيشًا كبيرا
وظنوا أنها تبقى طويلاً ... وتثبت في خفارتهم دهورا
أغار الخصم منقضًّا عليها ... ونار الروس تكتسح المغيرا
إلى أن كوروا القتلى تلالاً ... وأوشكت المعاقل أن تمورا [5]
رأوا أن العدو يموت طوعًا ... ولا يأبى التقحم والكرورا
ومن رغب المنية وانتحاها ... يبيت عدوه عنها نفورا
بدا للروس أن الفتح دان ... يغذ فلا معين ولا مجيرا [6]
فولوا تاركين على الروابي ... ذخائرهم لأعداهم نصيرا
لقد شمخوا على اليابان لما ... رأوا جنديهم قزما زميرا [7]
وقالوا: سوف نطحنهم فتغدو ... قبورهم الضواري والنسورا
ولكنا على يالو وكنشو ... وجدنا القول بهتانًا وزورا
فعرض الجسم لا يغني فتيلاً ... وطول القد لا يجدي نقيرا
ألست ترى الوليد وفيه حزم ... يسوم الفيل خسفًا والبعيرا
رهام الطير تنخلع ارتياعًا ... إذا رأت البواشق والصقورا
***
وقال في أول القصيد الثانية:
(الوقعة الكبرى في جوار مكدن في 15 شباط سنة 1905)
(1)
بمكدن كور بتكن لَمَّ جيشًا ... وشاد له المعاقل والحصونا
رأى الأعتاد وافرة لديه ... فظن مقامه حرزًا حصينا
ولكن رأي أوياما أراه ... أمورًا خيبت تلك الظنونا
أقام له المراصد في الصياصي ... وبين جفونه بث العيونا [8]
تخبره بما اصطنعوا دفاعًا ... لحوزتهم وكيف يدبرونا
أعد الخطة المثلى ليوم ... يروع حر أزمته السنينا
ورتب للهجوم عليه رأيًا ... يكون لمجد رايته ضمينا
وهز جناحي الجيش التفافًا ... على أعدائه المتحصنينا
رمى اليسرى بكوركي فندزو ... فأكو ثم في نوجي اليمينا
(2)
ودارت للمنون رحى طحون ... لها الأجساد قد صارت طحينا
وطبق كل ناحية دخان ... كثيف أسود يعمي العيونا
وصوت القذف أوقر كل أذن ... فإن سمعته تحسبه طنينا
فليس بمبصر أحد أخاه ... وما هو سامع منه الأنينا
فصار الحزن من دك سهولاً ... وصار السهل من جثث حزونا
لو انقشع الدخان بدت أمور ... ترد المرد شيبًا منحنينا
جيوش كيفما العين استدارت ... تراهم يظهرون ويختفونا
كأن الأرض بالأبطال حبلى ... تدفعهم حيارى صارخينا
فلا حجر تراه العين إلا ... يحجب خلفه منهم جنينا
كأن حجارها الصم استحالت ... رجالاً بالحديد مسربلينا
فلا واد بتك الأرض إلا ... ويخرج من معاطفه كمينا
كأن عقولهم ذهبت شعاعًا ... فليس لهم بها ما يرهبونا
فكل فتى غدا أسدًا هصوراً ... وموطئ رجله أضحى عرينا
***
(حديث عيسى بن هشام أو قرة من الزمن)
لمحمد بك المويلحي مقالات أدبية، كان ينشرها في جريدة مصباح
الشرق بأسلوب مقامات البديع والحريري، وراويتها عيسى بن هشام. وكان
يتمنى كثير ممن قرأها من محبي الأدب لو تجمع في كتاب فكان لهم ما تمنوا.
جمع الكاتب نفسه هذه المقالات ونقَّحها، وزاد فيها ونقص منها وطبعها، فكانت
كتابًا صفحاته 336، وقد قال في (إهداء الكتاب) ما يأتي:
(أَلِفَ المؤلفون والكُتَّاب أن يبدؤوا كتبهم عند نشرها بإهدائها إلى بعض
ذوي الشأن والفضل، والضعيف العاجز يهدي هذا الكتاب إلى كل من يقرأه من
أديب يجد فيه طرفًا من الأدب، وحكيم يرى فيه لمحة من الحكمة، وعالم
يبصر فيه شذرة من العلم، ولغوي يصادف فيه أثرًا من الفصاحة، وشاعر
يشعر فيه بمثل طيف الخيال من لطف الخيال. وأهديه إلى أرواح المرحومين -
الأديب الوالد، والحكيم جمال الدين، والعالم محمد عبده، واللغوي
الشنقيطي والشاعر البارودي، أولئك الذين أنعم الله عليهم، وأولئك الذين تأدبت
بأدبهم وأخذت عنهم) اهـ. ونقول: إن هذا العبارة أبلغ ما في الكتاب من خيال
الشعر الفصيح، ولمحات الحكمة في التلويح، ثم ذكر صورة كتاب كانت عنده
من السيد جمال الدين بخطه وهي:
حبيبي الفاضل
تقلبك في شؤون الكمال يشرح الصدور الحرجة من حسراتها، وخوضك
في فنون الآداب يريح قلوبًا علقت بك آمالها، وليس بعد هذا الإرهاص إلا
الإعجاز ولك يومئذ التحدي، ولقد تمثلت اللطيفة الموسوية في مصر كرة
أخرى، وهذا توفيق من الله - تعالى -، فاشدد أزرها، وأبرم بما أوتيت من
الكياسة والحذق أمرها، حتى تكون كلمة الحق هي العليا، ولا تكن كالذين
غرتهم أنفسهم بباطل أهوائها، وساقتهم الظنون إلى مهواة شقائها، وحسبوا
أنهم يحسنون صنعًا، ويصلحون أمرًا، كن عونًا للحق ولو على نفسك، ولا
تقف في سيرك إلى الفضائل عند عجبك، لا نهاية للفضيلة ولا حد للكمال، ولا
موقف للعرفان، وأنت بغريزتك السامية أولى بها من غيرك والسلام.
... ... ... ... ... ... ... جمال الدين الحسيني الأفغاني
***
(الدقائق في الحقائق)
ألف يعقوب أفندي جبرائيل مراد، مترجم وسكرتير إدارة دائرة
بوالينودرانبت باشا بكفر الدوار كتابًا سماه بهذا الاسم، أودع فيه أفكاره في
النفس والروح والقدرة الإلهية والأديان، وقد أهدى إلينا نسخة مطبوعة منه،
فنظرنا في بعض صفحاتها من أوائلها وأواخرها، فرأينا فيها فكرة حسنة،
سبق المؤلف فيها أناس؛ ولكنه لم يأت بها تقليداً بل هداه إليها النظر والفكر،
فتقبلها بقبول حسن، بل أدهشه حسنه وجمالها، وراعته عظمتها وجلالها،
فملكت قلبه وفتنت لبه، حتى ظن أنها إلهام، أفاضه عليه ذو الجلال والإكرام؛
لأن مثلها لا يأتي من الفطنة ولا يستفاد بالتعليم، كما قال عاشقات يوسف: {مَا
هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} (يوسف: 31) ثم سرت منها عدوى الافتتان
بها، إلى الهيام بالعبارة المؤدية لها، فتخيل أن الإعجاز ينطوي في كلامه،
الناشر لإلهامه أو المعبر لأحلامه.
أما الفكرة الحسنة: فهي الجمع بين الكتب المنزلة - التوراة والزبور
والإنجيل والقرآن - وإزالة التفرق بين متبعيها. هذا ما دعا إليه الإسلام،
ونادى به القرآن، وهو وحي الرحمن، فكل من دعا إليه فقد دعا إلى المقصد
الحق، وإن أخطأ في الوسيلة، ولا بد لكل قول من تأثير في نفوس مستعدة
له فإذا كان في الناس من يعد هذا الكتاب، كما قال الأستاذ الإمام في بعض
الجرائد (نوبات عصبية) فلا بد أن يوجد فيهم، من يعده حكمة مرضية.
***
(القول المتين في الرد على المخالفين)
رسالة للشيخ قاسم بن سعيد الشماخي صاحب مجلة نبراس المشارقة
والمغاربة، طبعت في العام الماضي، وأهدانا نسخةً منها في هذه الأيام،
فرأينا في فاتحتها، أنه يَرُد فيها على مجلة اسمها الإسلام، يصدرها في بعض
الأحيان رجل اسمه الشيخ أحمد علي الشاذلي وكأن الشيخ قاسمًا ظن أن لهذه
المجلة شأنًا، أو لما تكتبه وقعًا، فعني بالرد عليها وما هي مما يرد عليه،
ولو عرف حقيقتها، لما بذل شيئًا من الزمن في قراءتها بله الرد عليها، وقد
ألقيت إلينا مرة نسخة منها. قيل لنا: إن فيها ردًّا علينا، فلم يحركنا ذلك إلى
تناولها، حرصًا على الوقت أن يضيع في قراءة شيء منها.
وقد وقع نظري في هذه الفاتحة على اسم المنار، فقرأت أسطراً من الكلام
الذي ذكر فيه، فإذا هو حكاية عن رجل هندي، أنكر على المنار إنكار التقليد،
والدعوة إلى معرفة الدين بالدليل. عرفت ذلك الهندي، وما هو بهندي، إن
هو إلا رجل مصري، كان يبيع الكتب في أسواق مصر وشوارعها، وملاهيها -
كما قيل لي- ثم طوحت به الطوائح إلى كلكته، وهناك عين إمامًا في مسجد، وما
هو ممن يحفل بقوله ولا باعتراضه، فعسى أن يسامحني الشماخي إذا لم أجبه إلى
قراءة ما كتبه في هذه الرسالة، وقد علمت أنه دافع عني، فأنا أشكر له ذلك،
وأسأل الله لي وله التوفيق.
***
(فتاة مصر)
قصة وضعها الدكتور يعقوب أفندي صروف، وجعلها ذيلاً للمقتطف في
مجلد سنة 1905، وهي قصة لا كالقصص، فإن أكثر القصص لغو وما عساه
يوجد فيها من الفائدة، فهو كما قيل في الخروب: درهم عسل في قنطار خشب،
وأما هذه القصة فكثيرة الفوائد، وترجع فوائدها إلى شيئين عظيمين: أحدهما
مالي، والآخر أدبي اجتماعي.
أما الأول: ففيه بيان مكانة المال في هذا العصر، وقوة رجاله وما لهم من السلطان في عالم السياسة، حتى صور الكاتب أن الحرب اليابانية الروسية،
ما أشعل نارها إلا رجال المال في أوروبا وفيه بيان تلاعب رجال بيوت المال
المعروفة (بالبورص) بالأغنياء، وابتزاز أموالهم بالمكايد، وفي ذلك عبرة
لأغنياء مصر المفتونين بالبورصة والقمارا، إن كانوا يعتبرون.
وأما الثاني: ففيه تصوير لمعاشرة الوجهاء: من المسلمين، والنصارى،
واليهود، بعضهم لبعض، ورغبة بعضهم في مصاهرة بعض. وجعل من رجال
القصة شيخًا عبر عنه بالشيخ أحمد والإمام أحمد كان يرجع إليه في المسائل التي
لها علاقة بالإسلام فيتكلم بالحكمة، وما يليق بالإسلام من حب الألفة والسلام، وقد
انتقد الناس من القصة بعض ما جاء في موضوع ألفة الطوائف، ورغبة بعضها في
مصاهرة بعض، زاعمًا أن فيه تمثيلاً لا ينطبق على الحقيقة، فإن صح هذا صحَّ
أن يجاب عنه بأن القصص النافعة قسمان: قسم يصور الواقع لمعرفة التاريخ.
وقسم يصور مع الواقع ما ينبغي أن يكون، كأنه كائن واقع، ترغيبًا فيه، أو إيلافًا
له، وتقريبًا منه.
وجملة القول: إن القصة مفيدة، وقد طبعها على حدتها إسحاق أفندي
صروف أحد محرري المقطم، وهي تطلب منه، وثمنها عشرة قروش.
***
(مرآت علوم)
مجلة تركية، تبحث في العلوم والفنون وشؤون الاجتماع، أنشأها فئة من
الكتاب الفضلاء، وعهدوا بإدارتها إلى أحدهم رفيق بك العظم الشهير،
والغرض الأول منها: إسعاد مسلمي روسيا في نهضتهم العلمية الجديدة،
فنحث قراء اللغة التركية العذبة في كل مكان على الاشتراك في هذه المجلة؛
وقيمته أربعون قرشًا في السنة، وهي قليلة جدًّا لا تفي بنفقات المجلة إلا إذا
كثر المشتركون كثرة عظيمة، وأحسنوا الأداء.
***
(سلام الإسلام)
رسالة للشيخ محمد نسيم العازار كتبها؛ لبيان ما تنويه دول أوروبا
وتحاوله من ابتلاع بلاد المسلمين وطريق تلافيه. أما الكاتب فهو من بيت
العازار من (أميون) بلدة أو قرية في الكورة من أعمال جبل لبنان، وهو بيت
معروف بالوجاهة، يدين بمذهب الأرثوذكس من مذاهب النصرانية، وقد دخل
الكاتب في الإسلام من عهد قريب دخولاً رسميًّا في محاكم مصر الشرعية،
وهو شاعر ناثر. فرأى أن يكون أول ما يخطه بعد الدخول في الإسلام،
إنهاض همة المسلمين بالنثر والنظم وبيان رأيه السياسي في أمرهم. وأما هذا
الرأي فهو ما قاله في رسالة (سلام الإسلام) بعد التمهيد له وهو (كما في ص
9، 10، 11 منها) :
(إن ما يجب عمله بسيط جدًّا، ولكنه في بساطته يضمن للإسلام عمومًا
القاطنين في أنحاء الأرض جميعها، والمستظلين تحت ظلال أعلام دولهم،
وألوية الدول الأجنبية راحتهم وسعادتهم، وذلك العمل هو:
أن يشكل الإسلام مجلسًا نيابيًّا، يؤلف من كافة المقاطعات الإسلامية
وغير الإسلامية، فينتخب له رجال سياسيون، قد خبروا الدهر فحنكهم، وعلماء
عاملون، لا توجلهم شدة، ولا تقعدهم معضلة، ولا تبيعهم غاية، وتجعل إقامة
هذا المجلس في مدينة، تطلق يديه لأعماله الجليلة، وتقرب المواصلات بينه
وبين أهل تلك المقاطعات النائب عنها، والمشكل من رجالها للذود عن مصالحهم
وحقوقهم، إبان الضرورة وفي كل حين ومكان.
أما فضائل هذا المجلس وأعماله فكثيرة وعظيمة الفائدة، وبما أن المقام لا
يسمح باستيعابها كلها، فأقتصر على ذكر الأخص منها الذي يبين الغاية
المقصودة من تشكيله، والنتيجة المطلوبة التي يؤتيها وبذلك كفاية لأولي
البصائر، الذين لا أخالهم يتقاعدون عن الاهتمام بتأليفه في أقرب وقت
ممكن؛ لكيلا تفوت الغاية منه، والفرصة السانحة له.
أولاً: إن تشكيل هذا المجلس من تلك الأجناس المختلفة، يجعل جامعة
حقيقية للأمم الإسلامية المرتبطة بالدين؛ ارتباط الأجسام بالأعصاب والشرايين.
ثانيًا: يجعل لتلك الأمم المتباعدة بالوطنية رابطة سياسية، تجمع أوطانهم
إلى وطن واحد، ومصالحهم المتباينة إلى مصلحة واحدة هي: الدفاع بالاشتراك
والتعاون عن راحة الإسلام، وسلامة كيانهم بين الأمم الحية الراقية.
ثالثًا: يحسن أخلاق الأفراد ومشاربهم، فيقوي الصالح فيهم، وينفي
الفاسد منهم، ويجلب النافع لهم، وبالجملة فإنه يجعلهم أمة عصر النشاط والقوة
والكمال.
رابعًا: يسهل سبل الرقي الأدبي والمادي بأنواعهما، ويمهد طرق
الإصلاح في الممالك الإسلامية المفتقرة للإصلاح الذي يرفع شأنها بين العالم،
ويؤيد كيانها أبدًا.
خامسًا: يدافع عن حقوق الأمم الخاضعة للدول الأجنبية أمام مجالسها العالية
في عواصم ممالكها إذا ما اهتضمت تلك الحقوق في مستعمرة من المستعمرات،
أو لحق بتلك الأمم شيء من الاستبداد فيها الذي لا تخلو منه مملكة من
الممالك المختلفة الأجناس والمذاهب.
سادسًا: يمهد سبيل انضمام الممالك الإسلامية المستقلة إلى بعضها،
واستظلالها في ظل أكبر مملكة بينها (ولا شك في أن أكبرها الدولة العثمانية
المشيدة الأركان) ، كما انضمت إلى بعضها الممالك الجرمانية والولايات
الأميركية وكثير غيرهما، وإذا كان ثم مانع لانضمامها فلا أقل من أن يؤلف
بينها، ويجمع كلمتها المتفرقة فتتضامن وتتكاتف على العمل معًا، وواحدة من
هاتين الحالتين كافية لجعل هذه الدول الضعيفة بإزاء الدول الأوروبية دولة
واحدة، عظيمة السلطان، منيعة الجانب، تقتسم السراء، وتشترك مع بعضها
في الضراء.
(المنار)
هذا الرأي ليس بدعًا من الآراء كما يحسب الكاتب، بل هو مسبوق
بتصوير أقرب إلى الحصول، ودعوة أجذب للقلوب وأخلب للعقول، واحتراس
يحول دون مناهضة الأعداء، وتؤمن معه مغاضبة الأودَّاء، وما صادف شيء
من ذلك استعدادًا، وما كان إلا هداية لبعض العقلاء ورشادًا، وإن أبعد
المسلمين عن قبول دعوة الاتحاد ملوكهم وأمراؤهم المفتونون بالاستبداد، فما
قال: إنه (بسيط جدًّا) هو مركب تركيبًا لا سبيل إلى تحليله، ولا استعداد
فيمن دعوا إليه لقبوله، وإن الأمل في إصلاح أكبر هؤلاء المستبدين لدولته،
وترقيته لشعبه ورعيته، قد أصبح من الأحلام والأماني، أو من قبيل العنقاء
والخل الوفي، فكيف نرجو من هؤلاء المخربين، عناية بإقامة بناء المسلمين.
إلا أنه لا سلامة للمسلمين من البلاء المؤصد، والعدو الواقف لهم في كل
مرصد، إلا في تربية الأمة الملية، وجمعها بين العلوم الكونية والروحية،
وأمانة التقليد وإحياء اللغة العربية، ثم اتفاق شعوبهم في كل قطر مع سائر
الشعوب، على حفظ الموجود واسترجاع المسلوب، وإلزام حكوماتهم بقوة
الاتحاد، على استبدال العدل بالاستبداد، مع إلقاء الطاعة إليها، وتأمينها من
تفضيل غيرها عليها، فإن هذا شرط لإمكان العمل الواجب، لا سيما في
الشعوب التي تحت سلطة الأجانب.
***
(كتاب السجل المصري)
يؤلف علي أفندي يوسف الكريدلي كتابًا بهذا الاسم، قال في وصفه: كتاب
دوري يصدر في منتصف كل شهر أفرنجي مشتملاً على كل ما حدث
في الشهر السابق، من الحوادث، والوقائع، وأعمال الحكومة من أوامر عالية،
ومنشورات، ولوائح، وتنقلات ورتب ونياشين ووفيات ومواليد، وأفراح ... إلخ.
وقد صدر الجزء الأول من السنة الأولى وهو لشهر يناير، فكان هذا
الكتاب ملخص لأخبار الجرائد اليومية رسمية وغير رسمية، يغني عن حفظها
لأجل ما فيها من أخبار التاريخ، وقد بلغت صفحات هذا الجزء 184 صفحة
صغيرة، فإذا ضربناها في 12 كان الحاصل 2408، وذلك تاريخ لأخبار السنة
(جامع للذرة، وأذن الجرة) ، وقيمة الاشتراك فيه إلى سنة كاملة 60 قرشا،
وثمن كل جزء منه خمسة قروش على نسبة الاشتراك.
***
(الإحياء)
مجلة ذات ثمان صفحات أنشئت بالجزائر في غرة هذا العام (1325)
وهي تصدر في الشهر العربي مرتين، قيمة الاشتراك فيها أربعة فرنكات في
قطري الجزائر وتونس وفي جميع بلاد فرنسا وخمسة فرنكات في سائر
الممالك وقد كتب عليها (مجلة إسلامية أدبية إخبارية) ، ولكن لم يكتب عليها
اسم منشئها، ولا مديرها، ولا محررها، والعبرة عند المحققين بالقول لا بالقائل،
وإننا قد سررنا بهذه المجلة، ونسأل الله - تعالى - أن يجعلها نافعة للمسلمين،
وحجة على الذين يعتقدون في هذه البلاد وغيرها أن حكومة الجزائر تضرب بين
مسلمي الجزائر وبين العلم والدين حجبًا لا تخرق؛ إذ لا حجة أقوى من العمل
المشهود، والأمر الموجود، كما نبهنا على ذلك فيما مضى. وإننا نعتقد أنه لا
سبيل إلى التآلف بين فرنسا وبين المسلمين إلا هذه السبيل، فعسى الله أن يوفق
بين الحكام والمحكومين لهم بما فيه الخير، والمصلحة للإنسانية.
***
(شوراي عثماني)
جريدة سياسية أصدرتها في القاهرة جمعية الشورى العثمانية، التي
تكلمنا عنها في آخر المجلد التاسع؛ لتكون لسانها الناطق بدعوتها، ولذلك جعلتها
بأشهراللغات التي يعرفها قراء العثمانيين: وهي التركية والعربية في الأكثروالفرنسية
والأرمنية والرومية أحيانًا؛ أي: إن كل عدد منها يكتب بعدة لغات وقيمة الاشتراك
فيها عشرة فرنكات أو أربعون قرشًا مصريًّا، وقد رأيناها أقرب إلى الاعتدال من
سائر ما رأينا من جرائد أحرار الترك، وطلاب الإصلاح ونرجو أن تلتزم الاعتدال
دائماً؛ لأنه أقوى تأثيرًا وأكثر نصيرًا، هذا وإن الاشتراك في هذه الجريدة والسعي
في نشرها، يعد خدمة للدولة العلية، وللأمة العثمانية، لا لشخص معين؛ لأن ما
يأتي من الجريدة ينفق على الجمعية، وجميع أعضاء الجمعية ومحرري الجريدة
يبذلون المال مع الوقت في هذه السبيل.
***
(جريدة الأخبار)
كان الشيخ يوسف الخازن أنشأ منذ بضع سنين جريدة سياسية سماها
(الأخبار) ، نشرت زمنًا، وطويت زمنًا، وقد عاد صاحبها إلى نشرها في هذه
الأيام، فسر بذلك العارفون بمكانة الخازن في هذا العمل، واستعداده الغريزي الذي
ارتقت به التجارب؛ وحرية قلمه في التعبير عن رأيه، وقد اختار أن ينشرها في
الصباح، فنتمنى له أحسن الفوز والنجاح.
***
(الجريدة)
كنا ذكرنا في الجزء السادس من المجلد التاسع (ص 477) خبر تأسيس
شركة من وجهاء القطر؛ لإنشاء جريدة يومية، وأنهم اختاروا أن يسموها
(الجريدة) ، وأن بعض أصحاب الصحف أرجفوا بهذه الجريدة، وأساؤوا الظن
بها من حيث نحسنه، ويسرنا أن ننوه بصدورها في أول جزء من هذه السنة،
مصدقة لظننا، مكذبة لظنون المرجفين، يسرنا أن نذكر في جزء واحد خبر
ظهور مشروعين عظيمين، كان شيخنا الأستاذ الإمام روَّح الله روحه متوجهًا
إلى القيام بهما في آخر حياته، وقد علم القارئ أنهما مدرسة القضاة الشرعيين
وهذه (الجريدة) .
صدر العدد الأول منها في 24 المحرم (19 مارث) ، والشمس مقبلة
على برج الحمل، والأرض تستقبل الربيع الذي هو خير الفصول وأبهجها،
فكان ذلك فألاً بأن (الجريدة) ستكون عنوان حياة أدبية بهيجة، كما تتجدد
نشأة الحياة لكل حي في هذا الفصل البهيج. وقد اتفق اجتماع شهر المحرم
بشهر مارث لأول مرة من تاريخ الهجرة الشريفة في عام 13، وفيه أمر أبو
بكر بعد استشارة الصحابة - عليهم الرضوان - بجمع القرآن في مصحف واحد
وفي ذلك ما فيه من الحياة الدينية والدنيوية فهذا فأل آخر روحاني، أحسن من
ذلك الفأل الطبيعي. وإن شئت أن أزيدك فكاهة تاريخية أخرى، أذكرك بأن
عمرو بن العاص بنى مسجده وهو أول مسجد أسس في مصر في 23 المحرم،
وهو اليوم الذي وضعت فيه الجريدة في المطبعة، وإن صدرت في اليوم
الثاني.
افتتح العدد الأول من الجريدة بفاتحة بليغة لمديرها أحمد لطفي بك السيد
قال فيها:
ولقد اختلف القوم في أمر الجريدة منذ وضع مشروعها، وقدر بعضهم
لها مذهبًا ما لهم به من علم إلا اتباع الظن {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ
لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ} (الحجرات: [5]) ، وأجدر بحفظ الكرامة لكبراء رجال وطنهم،
وأدنى إلى عدم الفت في أعضاد الجامعة الوطنية، ولكنهم لا يصبرون.
ولو وقف الأمر عند غير العالمين لهان، ولكن بعض الكتاب أبى إلا أن
ينتقص الجريدة قبل ظهورها، فخلق لها نسبًا لا نعرفه؛ إذ يقول: إنها أنشئت
بوحي من جناب اللورد كرومر، أو أنها متحيزة إلى طرف دون آخر، على
أنها من كل ذلك براء.
ومهما يكن من الأمر، فإنا نمر بتلك المغامز مرًّا؛ إذ لا نقصد درء شبهة
ولا أن نقف بأحد موقفًا أظهرنا فيه على صاحبه، أخسرنا لوقته. وكل في
حل مما قال: هنيئًا مريئًا غير داء مخامر.
ثم ذكر اختلاف الناس في الرأي بطبعهم، ومكان الصحف من التذكير،
بما يكوِّن الرأي العام في البلاد الحديثة العهد بالرقي، ثم حاجة الصحف إلى
الرقابة عليها من الجماعة، وكون أولى الجماعة بذلك الشرفاء بالفضل، أو
علو النسب، كمؤسسي الجريدة ثم قال في هؤلاء المؤسسين:
ولما أنهم كثيرو العلاقات بالحكومة؛ بسبب مراكزهم واشتراكهم معها في
كثير من الأعمال العامة، وأن أمثالهم لا يجتمعون لعمل ذي أثر سياسي، إلا
أحاطت به الشكوك، رأوا أن يكاشفوا الحكومة في أمر المشروع؛ دفعًا لتلك
الشكوك المحتملة، وأخذًا بأقوم الطرق إلى نيل ما عساهم يطلبونه من تقويم
معوج أو إصلاح خطأ؛ لأن الحكومة قد تجيب الطلب مما يهون عليها، إذا
أقنعت بأنه لمصلحة الأمة.
وإن أسهل سبل الإقناع وآكدها في الوصول إلى الغرض: هو سبيل
المحاسنة التي لا تجَّر إلى ترك حق، أو تزيين باطل، وهي أجلى مظاهر
الاعتدال الذي يجب أن يكون دعامة العلاقات بين أمة وحكومة كلتاها في طور
التكون؛ لئلا يقع بينهما من الجفاء ما يحجب الحكومة من الوقوف على مواطن
المصلحة، وآمال الأمة، ويحجب الأمة عن الاطلاع على مقاصد الحكومة،
فتعطل بذلك أسباب الرقي التي يتوقف جلها على اشتراط الطرفين.
والجريدة أحسن الجرائد اليومية ورقًا وطبعًا، وألطفها شكلاً؛ لأنها وسط بين
كبراها وصغراها. وإن عبر بعضهم عنها بلفظ الصغر أو الأصغر وليست الكبرى
بأكثر منها مادة؛ لأن الجريدة ليس فيها الآن إعلانات، ثم إن اشتراكها أقل من
اشتراك صغراها وهو 120 قرشًا في السنة - لأهل القطر المصري،
و150 قرشًا لسائر الأقطار.
***
(جريدة العجائب)
أتمت هذه الجريدة سنتها الخامسة، ودخلت في السادسة، ويدل انتظامها
على أنها من الجرائد الحية الثابتة، فنتمنى لها طول البقاء، مع التوفيق لما يفيد
القراء. [1] المبير: المهلك.
(2) الحفير: القبر.
(3) المزير: الشديد القلب والقوي النافذ.
(4) أعتاد الحرب: أدواتها وعدتها. [5] المعاقل: الحصون , وتمور: تهتز وتميل إلى السقوط. [6] يغذ: يسرع في السير. [7] القزم: الزمير القميء الصغير الجثة الذي لا غناء عنده.
(8) الصياصي: جمع صيصية وهي مرتفعات الأرض والمشارق التي يمتنع بها.
نام کتاب : مجلة المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد جلد : 10 صفحه : 61