responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مختصر زاد المعاد نویسنده : محمد بن عبد الوهاب    جلد : 1  صفحه : 75
فَهُوَ يُحْدِثُ الْحَزَنَ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَوَقُّعُ مستقبل، فهو يورث الْهَمَّ، وَكِلَاهُمَا مِنَ الْعَجْزِ، فَإِنَّ مَا مَضَى لَا يُدْفَعُ بِالْحُزْنِ، بَلْ بِالرِّضَى وَالْحَمْدِ، وَالصَّبْرِ، وَالْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ. وَقَوْلِ الْعَبْدِ: قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شاء فعل، وما يستقبل لا يدفع بالهم، بل إما أن تكون لَهُ حِيلَةٌ فِي دَفْعِهِ، فَلَا يَعْجِزُ عَنْهُ، وإما أن لا يكون له حيلة في دفعه، فلا يجزع، ويلبس له لباسه من التوحيد والتوكل والرضى بالله ربا فيما يحب ويكره، والهم والحزن يُضْعِفَانِ الْعَزْمَ، وَيُوهِنَانِ الْقَلْبَ، وَيَحُولَانِ بَيْنَ الْعَبْدِ وبين الاجتهاد فيما ينفعه، فهما حمل ثقيل على ظهر السائر. ومن حكمة العزيز الحكيم تسليط هذين الجنديين على القلوب المعرضة عنه ليردها عن كثير من معاصيها، ولا تزال هذه القلوب في هذا السجن حتى تخلص إلى فضاء التوحيد والإقبال على الله، ولا سبيل إلى خلاص القلب من ذلك إِلَّا بِذَلِكَ، وَلَا بَلَاغَ إِلَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ، فَإِنَّهُ لَا يُوصِلُ إِلَيْهِ إِلَّا هُوَ، وَلَا يدل عليه إلا هو. وإذا أقام العبد في أي مقام كان، فبحمده وحكمته أقامه فيه، ولم يمنع العبد حقا هو له، بل منعه ليتوسل إليه بمحابه فيعطيه، وليرده إِلَيْهِ وَلِيُعِزَّهُ بِالتَّذَلُّلِ لَهُ، وَلِيُغْنِيَهُ بِالِافْتِقَارِ إِلَيْهِ، وليجبره بالانكسار بين يديه، وليوليه بِعَزْلِهِ أَشْرَفَ الْوِلَايَاتِ، وَلِيُشْهِدَهُ حِكْمَتَهُ فِي قُدْرَتِهِ، ورحمته في عزته، وإن منعه عطاء، وعقوبته تأديب، وتسليط أعدائه عليه سائق يسوقه إليه، والله أعلم حيث يجعل مواقع عطائه، وأعلم حيث يجعل رسالته {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام: 53] [1] فهو سبحانه أعلم بمحال التخصيص، فمن رده المنع إليه، انقلب عطاء، ومن شغله عطاؤه عنه، انقلب منعا، وهو سبحانه وتعالى أراد منا الاستقامة، وَاتِّخَاذَ السَّبِيلِ إِلَيْهِ، وَأَخْبَرَنَا أَنَّ هَذَا الْمُرَادَ لَا يَقَعُ حَتَّى يُرِيدَ مِنْ نَفْسِهِ إِعَانَتَنَا ومشيئتنا له، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التَّكْوِيرِ: 29] [2] . فَإِنْ كَانَ مَعَ الْعَبْدِ رُوحٌ أُخْرَى نسبتها إلى روحه كنسبة روحه إلى جسده يَسْتَدْعِي بِهَا إِرَادَةَ اللَّهِ مِنْ نَفْسِهِ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ مَا يَكُونُ بِهِ الْعَبْدُ فَاعِلًا، وَإِلَّا فَمَحَلُّهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلْعَطَاءِ، وَلَيْسَ مَعَهُ إِنَاءٌ يُوضَعُ فِيهِ الْعَطَاءُ، فَمَنْ جَاءَ بِغَيْرِ إناء رجع

[1] سورة الأنعام، الآية: 53.
[2] سورة التكوير، الآية: 29.
نام کتاب : مختصر زاد المعاد نویسنده : محمد بن عبد الوهاب    جلد : 1  صفحه : 75
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست