ما أدركاه ورؤية ما رأياه) أي في الجملة إذ رؤية موسى كانت مترتبة على النظر حين تجلى الرب على الجبل بخلاف رؤية نبينا الأكمل (والله أعلم) أي بحقيقة الحال وحقيقة المآل.
(وقد ذكر القاضي أبو بكر) يعني الباقلاني لأن القاضي أبا بكر بن العربي معاصر للمصنف إذ مولده سنة ثمان وستين وأربعمائة ومماته سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة ومولد المصنف سنة ست وسبعين وأربعمائة ومماته سنة أربع وأربعين وخمسمائة ذكره الشمني ونسبه بالنون على غير قياس إذ القياس أن يقال بالهمز بدله (في أثناء أجوبته عن الآيتين) أي الدالتين على نفي الرؤية وهما لا تدركه الأبصار ولن تراني (ما معناه) أي الذي مؤداه لا لفظه ومبناه (أنّ موسى عليه السّلام رأى الله تعالى) أي بواسطة تجلي ربه للجبل (فلذلك خرّ) بتشديد الراء (صعقا) بفتح فكسر ويروى بفتحتين أي سقط مغشيا عليه وإلا فالصعق بمجرد رؤية الجبل دكا بعيد في النظر السديد (وأنّ الجبل رأى ربّه فصار دكّا) أي مدكوكا مدقوقا (بإدراك) متعلق برأى (خلقه الله تعالى له) أي في الجبل كما نقله الماتريدي عن الأشعري وقال الإمام الرازي في المعلم خلق الله تعالى في الجبل حياة وعقلا وفهما وخلق فيه الرؤية فرأى بها (واستنبط) أي القاضي أبو بكر (ذلك) أي رؤيتهما زبهما (وَاللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ: وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ) أي وبقي على حاله وشأنه عند تجلي ربه (فَسَوْفَ تَرانِي [الْأَعْرَافِ: 143] ثُمَّ قَالَ: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ) أي بلا كيف (جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً [الْأَعْرَافِ: 143] وَتَجَلِّيهِ للجبل هو ظهوره له) أي ظهورا تاما بلا كيف (حتّى رآه) أي بناء (على هذا القول) أي الذي عزاه للقاضي أبي بكر (وقال جعفر) أي الصادق (بن محمّد) أي الباقر في حكمة الواسطة في الرؤية (شغله) أي سبحانه وتعالى أي موسى (بالجبل حتّى تجلّى) الأظهر حين تجلى (ولولا ذلك) أي الشغل بالجبل (لمات) أي موسى (صعقا بلا إفاقة) أي بعده مطلقا قال المصنف (وقوله هذا) أي قول جعفر (يدلّ على أنّ موسى رآه) أي رؤية بواسطة من وراء حجاب فلا ينافي قوله تعالى لَنْ تَرانِي بلا واسطة وهذا جمع سديد وقد أبعد الدلجي بقوله هنا وهذا بعيد (وقد وقع لبعض المفسّرين) أي حيث قال (في الجبل) أي في حقه (أنّه رآه) أي رأى تجلي ربه بإدراك وعلم خلقه في خلقته فاندك إذ الدك بمجرد التجلي بلا إدراك بعيد كيف وقد نقل الماتريدي عن الأشعري أن معنى التجلي أن الله تعالى خلق فيه حياة وعلما ورؤية فرآه وهذا نص منهما على اثباتها كذا ذكره الدلجي (برؤية الجبل له) أي لربه تعالى (اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِرُؤْيَةِ مُحَمَّدٍ نَبِيِّنَا لَهُ) أي الله سبحانه وتعالى (إذ جعله) أي جعل الله تعالى ما ذكر من رؤية الجبل له (دليلا على الجواز) أي للرؤية قال الدلجي ذكر الضمير نظرا لما بعده والأولى ما قدمناه مع أن المصدر يؤنث ويذكر فتدبر (ولا مرية) بكسر الميم وتضم أي ولا شك (في الجواز) أي جواز الرؤية (إذ ليس في الآيات) أي آية لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وآية لَنْ تَرانِي وآية فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي (نصّ في المنع) أي للرؤية بل هي مشيرة إلى الجواز في مقام المرام كما سبق عليه الكلام. (وأمّا