فمحمول على أن ما برز منه للشمس كان اسمر وما سترته ثيابه كان أبيض والحاصل أن أصل خلقته أبيض وقد كان تعتريه السمرة فلا ينافي كونه اسمر فتدبر. (ومثله) أي ومثل كون لونه بينهما المفاد بلا ولا (في الحديث الآخر) أي الذي رواه الترمذي والبيهقي (أبيض مشرب) بضم ميم وفتح راء مخففة أو مشددة للمبالغة أي مشرب بحمرة كثيرة ولذا قال (أي فيه حمرة) وهذا أحسن الوجوه وأحسن الألوان من أفراد أنواع الإنسان كما أخبر الله سبحانه وتعالى عنه في القرآن بقوله في وصف الحور البيض كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ ولا عبرة ببعض الطباع العادية من ميلهم إلى الصفر أو الخضر أو السودان هذا وفي شرح المصابيح لابن الفقاعي الإشراب خلط بلون بلون كأن أحد اللونين يسقى الآخر يقال بياض مشرب حمرة بالتخفيف فإذا شدد كان للتكثير والمبالغة قلت ومنه قوله تعالى وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ أي أخلط حبه في قلوبهم، (والحاجب الأزجّ) أفعل من الزجج وهو دقة الحاجبين مع سبوغهما إلى مؤخر العين وحسنهما (المقوّس) بفتح الواو المشددة أي المشبه بالقوس في نوع من الإدارة فلا ينافيه أنه (الطّويل) أي طرفه وهو احتراز من كون قصيرا فلا ينافي أنه لم يكن اشم (الوافر الشّعر) احتراز من كونه خفيفا، (والأقنى السّائل الأنف) أي طويله وممتده مع دقة ارنبته (المرتفع وسطه) احتراز من حديثه فإن كثرتها غير مستحسن، (والأشمّ الطّويل قصبة الأنف والقرن) بفتحتين وتكسر الراء (اتصال شعر الحاجبين) أي طرفيهما حتى يتلاقيا؛ (وضدّه البلج) بفتحتين بعدهما جيم وهو الذي بينهما فصل بين والجمع بين الروايات أن شعر حاجبيه لم يكن في غاية من الاتصال ولا في نهاية من الأنفصال بل على حد الاعتدال المطلوب في جمال أرباب الكمال فلا تنافي بين ما سبق من المصنف وبين ما ذكره بقوله (ووقع في حديث أمّ معبد) بفتح ميم فسكون عين مهملة فموحدة وهي التي رأته صلى الله تعالى عليه وسلم في طريق الهجرة من مكة إلى المدينة. (وصفه) أي وصفها إياه (بالقرن) وقد يجمع بينهما بأن أم معبد رأته من بعد فظنت أنه أقرن لقرب طرفيهما التقاء فوصفته بالقرن وعلي كرم الله تعالى وجهه حققهما من قرب فرآهما كادا يلتقيان فوصفه بالبلج وأما قول الدلجي من أن الصحيح وصفه بالبلج إذ هو المحمود عند العرب دون القرن فغير صحيح لأنه صلى الله تعالى عليه وسلم خلق على جمال موصوف بكمال عند العرب والعجم نعم يستبعد تجويز الحلبي حدوث القرن له عليه الصلاة والسلام بعد فإنه ينزه عليه الصلاة والسلام عن حدوث ما يعد عيبا فيه، (والأدعج) من الدعج وهو السواد في العين وغيرهما وقيل هو شدة سواد العين في شدة بياضها وهو المراد ههنا وقوله (الشّديد سواد الحدقة) أي حدقة العين من باب الاقتصار أو من قبيل الاكتفاء والاختصار أو لتحقق البياض في غالب العادة وإنما تختلف الحدقة باعتبار السواد والزرقة والشهلة. (وفي الحديث الآخر) أي الذي رواه مسلم (أشكل العين، وأسجر العين) بمهملة فجيم وهما بمعنى واحد، (وهو الذي في بياضها حمرة) أي يسيرة والشكلة بالضم شكلة محبوبة محمودة ثم اعلم أن في القاموس عين سجراء خالطت بياضها حمرة فما ضبط في بعض النسخ الصحيحة بالحاء