والحاصل أن الجاه والمال مضران لأرباب الكمال الجامعين بين العلم والعمل والحال؛ (وكان صلى الله تعالى عليه وسلم قد رزق من الحشمة) أي الوقار والهيبة (والمكانة) أي التمكن في مرتبة الجلالة (في القلوب والعظمة) أي الإجلال والمهابة في العيون (قبل النّبوّة عند الجاهليّة) كما مر عن أبي جهل في تلك القضية وما روي عنه أيضا أنه ساوم رجلا من بني زبيد ثلاثة أبعرة هي خيرة إبله ثلث ثمنها فامتنع الناس من الزيادة لأجله فأخبر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك فزاده حتى رضي فاشتراها منه ثم باع منها بعيرين بالثمن ثم باع الثالث وأعطى ثمنه أرامل بني عبد المطلب وأبو جهل مخزي ينظره ولا يتكلم ثم قال له صلى الله تعالى عليه وسلم إياك أن تعود لمثل ما صنعت بهذا الأعرابي فترى مني ما تكره فقال لا أعود يا محمد فقال له أمية بن خلف ذللت في يد محمد فقال إن الذي رأيتم مني لما رأيت معه رجالا عن يمنيه ويساره يشيرون برماحهم إلى ما خالفته لكانت إياها أي لأهلكوني (وبعدها) أي ورزق الجاه بعد النبوة عندهم (وهم يكذّبونه) بالتشديد والتخفيف أي والحال أن أهل الجاهلية ينسبونه إلى الكذب (وَيُؤْذُونَ أَصْحَابَهُ وَيَقْصِدُونَ أَذَاهُ فِي نَفْسِهِ خِفْيَةً) بضم الخاء وكسرها وسكون الفاء أي مخفيا لما تكن من هيبته في صدورهم وعظمته في قلوبهم (حتّى إذا واجههم) أي قابلهم علانية (أعظموا أمره) أي حشموا قدره (وقضوا حاجته) أي مقصده إليهم في سيره وهذا باعتبار غالب معاملاتهم معه فلا ينافي ما وقع من وضع أبي جهل سلا الجزور على ظهره وهو ساجد في الحجر. (وأخباره في ذلك معروفة سيأتي بعضها) أي في محله إن شاء الله سبحانه وتعالى؛ (وقد كان يبهت) على صيغة المجهول صورة مع ذكر فاعله كما في قوله تعالى فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ من البهت وهو الحيرة وفعله كعلم ونصر وكرم وعنى وهو أفصح فيجوز بناؤه على الفاعل أيضا أي يدهش ويتخير (ويفرق) بفتح الياء والراء أي يخاف ويفزع (لرؤيته) وفي نسخة من رؤيته (من لم يره) لما ألقي عليه من الهيبة والعظمة في قلوبهم (كما روي عن قيلة) بفتح قاف فسكون تحتية وهي بنت مخرمة العنبرية وقيل الكندية وقيل التميمية (أنّها لمّا رأته أرعدت) بصيغة المجهول أي أخذتها الرعدة بكسر الراء وهي اضطراب المفاصل خوفا والمعنى أنها ارتعدت (من الفرق) بفتحتين وهو الخوف ورواية أبي داود والترمذي في الشمائل عن عبد الله بن حسان عن جدته عنها أنها رأته في المسجد وهو قاعد القرفصاء قالت فلما رأيته متخشعا في الجلسة ارتعدت من الفرق وزاد ابن سعد (فقال يا مسكينة عليك السّكينة) بالنصب أي الزمي الطمأنينة وفي رواية بالرفع أي السكينة لازمة عليك ولم يثبت هنا ما ثبت في بعض النسخ إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ تَأْكُلُ القديد وذلك غير صحيح على ما ذكره التلمساني والمسكينة بكسر الميم والسكينة بفتح السين مخففة هو الفصيح؛ (وفي حديث أبي مسعود) أي عقبة بن عمرو الأنصاري كما رواه البيهقي عن قيس عنه مرسلا وقال هو المحفوظ ورواه الحاكم وصححه (أنّ رجلا قام بين يديه) أي قدامه صلى الله تعالى عليه وسلم (فأرعد