خلقت في اصلابهم ثم أمر الله سبحانه وتعالى آدم فرفع رأسه ونظر إلى ذريته فرأى الأنبياء والعلماء كالسرج والكواكب فقال يا رب من هؤلاء قال هم الأنبياء والعلماء من ذريتك فقال يا رب ومن هؤلاء الذين اراهم بيض الالوان قال هم أصحاب اليمين وقد أعددت لهم الجنة والكرامة وخلقتهم سعداء قال ومن هؤلاء الذين أراهم سودا قال هم أصحاب الشمال وقد أعددت لهم الهوان وجعلتهم أشقياء فقال يا رب لو سويت بين خلقك أجمعين فقال يا آدم خلقت الجنة وجعلت لها أهلا وخلقت النار وجعلت لها أهلا ثم اختلفت العلماء في محل أخذ هذا العهد ففي كتاب الثعلبي أنه كان في السماء وأن الله سبحانه وتعالى أخرج آدم من الجنة ولم يهبط إلى الأرض فأخذ عليه وعلى ذريته العهد هنالك وفي تاريخ الطبراني أن الله سبحانه وتعالى أهبط آدم من السماء إلى نعمان وأخذ عليه وعلى ذريته هذا العهد هنالك ونعمان واد في طريق الطائف يخرج إلى عرفات وهو مفتوح النون ويقال له نعمان الإراك لكثرته به (وَقَالَ تَعَالَى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ [البقرة: 253] الآية) الإشارة إلى من ذكرت قصصهم في السورة أو إلى كلهم المعهودين في العلم واللام استغراقية ثم فصله سبحانه وتعالى بقوله مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ بلا واسطة وهو موسى عليه الصلاة والسلام قيل ومحمد صلى الله تعالى عليه وسلم فكلم موسى ليلة الحيرة في الطور ومحمدا ليلة المعراج في مقام النور حين كان قاب قوسين أو ادنى وقرئ كلم الله بالنصب وكالم الله إذ قد كلم الله كما أن الله كلمه ومن ثمه قيل كليم الله بمعنى مكالمه. (قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ أَرَادَ بِقَوْلِهِ، وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ محمّدا صلى الله تعالى عليه وسلم) أي رفعه على سائر الأنبياء من وجوه متعددة ومراتب متباعدة ومنها أنه خص بالدعوة العامة (لأنّه بعث) أي بالحجج المتكاثرة والآيات المتعاقبة المتواترة والفضائل العلمية والفواضل العملية (إلى الأحمر والأسود) أي العرب والعجم لغلية الحمرة والبياض على ألوان العجم والأدمة والسمرة على ألوان العرب وقيل الجن والإنس، (وأحلّت له الغنائم) أي ولم تحل لأحد قبله (وظهرت على يديه المعجزات) أي الكثيرة، (وليس أحد من الأنبياء أعطى فضيلة) أي خصلة حميدة (أو كرامة) أي خارقة عادة (إلّا وقد أعطي محمّد صلى الله تعالى عليه وسلم مثلها) أي مثل تلك الفضيلة أو الكرامة بل مع الزيادة لكن جنسا لا نوعا كانشقاق القمر في مقابلة انفلاق البحر لموسى عليه السلام وغير ذلك مما لا يعد ولا يحصى قيل وفي ابهام درجات تفخيم لجلال شأنه وتعظيم لعلي برهانه إذ هو العلم المعين لهذا الوصف المستغني عن التعيين عند أرباب اليقين. (قَالَ بَعْضُهُمْ وَمِنْ فَضْلِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خاطب الأنبياء بأسمائهم) أي كيا آدم ويا نوح ويا إبراهيم ويا موسى ويا عيسى (وخاطبه بالنّبوّة والرّسالة في كتابه) أي كلامه القديم وخطابه العظيم (فقال: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ [الأحزاب: 1] ويا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ [المائدة: 67] ) بل وفد قال الله تَعَالَى لَا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً (وحكى السّمرقندي عن الكلبيّ) هو أبو المنذر هشام ابن محمد بن السائب الكلبي توفي في السنة التي مات فيها الشافعي رضي الله تعالى عنه