(يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ بَلَغَ مِنْ فَضِيلَتِكَ عنده) أي عند الله سبحانه (أنّ أهل النّار يودّون) أي يتمنون ويحبون (أنّ يكونوا أطاعوك وهم بين أطباقها) أي طبقات النار (يعذّبون يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرّسولا) أي فلم يصبنا هذا العذاب تمنوا حيث لا ينفعهم التمني من جميع الأبواب والرسولا بالألف مرسوم والجمهور على إثباتها وقفا ووصلا ومن جملة ما قال عمر رضي الله تعالى عنه بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ بلغ مِنْ فَضِيلَتِكَ عِنْدَ اللَّهِ أَنْ جَعَلَ طَاعَتَكَ طاعته فقال من يطع الرسول فقد أطاع الله بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ بلغ من فضيلتك عنده أن أخبرك بالعفو قبل أن يخبرك بالذنب فقال عفا الله عنك لم أذنت لهم بأبي أنت وأمي يا رسول الله لئن كان موسى بن عمران أعطاه الله حجرا يتفجر منه الأنهار فما ذاك بأعجب من أصابعك حين نبع منها الماء صلى الله تعالى عليه وسلم عليك بأبي أنت وأمي يا رسول الله لئن كان سليمان بن داود أعطاه الله الريح غدوها شهر ورواحها شهر فما ذاك بأعجب من البراق حين سرت عليه إلى السماء السابعة ثم صليت الصبح من ليلتك بالأبطح صلى الله تعالى عليك بأبي أنت وأمي يا رسول الله لئن كان عيسى ابن مريم أعطاه الله تعالى إحياء الموتى فما ذاك بأعجب من الشاة المسمومة حين كلمتك فقالت لا تأكلني فإني مسمومة صلى الله تعالى عليك وسلم بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ دَعَا نُوحٌ عَلَى قَوْمِهِ فَقَالَ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ولو دعوت علينا لَهَلَكْنَا مِنْ عِنْدِ آخِرِنَا فَلَقَدْ وُطِئَ ظَهْرُكَ وَأُدْمِيَ وَجْهُكَ وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُكَ فَأَبَيْتَ أَنْ تَقُولَ إلا خيرا وقلت اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ اتبعك في قلة سنينك وقصر عمرك ما لم يتبع نوحا في كثرة وطول عمره فلقد آمن بك الكثير وما آمن معه إلا قليل بأبي أنت وأمي يا رسول الله لو لم تجالس إلا الأكفاء ما جالستنا ولو لم تنكح إلا إلى الاكفاء ما نكحت إلينا ولو لم تواكل إلا الأكفاء ما واكلتنا لبست الصوف وركبت الحمار ووضعت طعامك بالأرض تواضعا منك صلى الله تعالى عليك وسلم. (قال قتادة) أي كما رواه ابن أبي حاتم في تفسيره وابن لال في مكارم الأخلاق وأبو نعيم في دلائله عنه مرسلا (إنّ النّبيّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُنْتُ أَوَّلَ الْأَنْبِيَاءِ فِي الخلق) أي خلق روحه قبل أرواحهم أو في عالم الذر أو في التقدير بكتابته في اللوح أو ظهوره للملائكة (وآخرهم في البعث) أي لكونه خاتم النبيين، (فلذلك) أي فلأجل كونه أولهم خلقا (وقع ذكره مقدّما) أي في الآية السابقة (هنا قبل نوح وغيره) أي من أولي العزم فضلا عن غيرهم قال السهيلي واسم نوح عبد الغفار وسمي نوحا فيما ذكر لكثر نوحه على نفسه أو على قومه. (قال السّمرقندي) وهو الإمام أبو الليث من أئمتنا الجامع بين التفسير والحديث والفقه والتصوف (في هذا) أي في ذكر وقوعه مقدما (تفضيل نبيّنا صلى الله تعالى عليه وسلم لتخصيصه بالذّكر قبلهم) أي إظهارا للكرم والجود (وهو آخرهم) أي بعثا كما في نسخة يعني أي والحال أنه آخرهم من جهة البعث والوجود. (الْمَعْنَى أَخَذَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ إِذْ أخرجهم من ظهر آدم كالذّرّ) وهو صغار النمل والمعنى أن للأنبياء ميثاقا خاصا بعد دخولهم