responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم نویسنده : أبو زهرة، محمد    جلد : 1  صفحه : 45
ولا يرضون بالذل، ويتحملون الشدائد، وليس ذلك إلا فى العرب، وأرض العرب، ولذلك ما أن انطلقوا بالإسلام إلا خرجوا من ديارهم يدعون إلى الحق، ويهدون إليه من غير توان، ولا فرار، ولا يأس، ولا يتركون البأس إلى الرخاء.. لأنهم تحملوا الام الصحراء.
وترى لو تصورنا أرضا للنبوة فى غير أرض العرب، أتكون فى أرض القياصرة حيث تطامن العامة لحكم القيصر، وديثوا بالصغار له نفوسهم، حتى حسبوه من طينة غير طينتهم، وحيث يختلفون فى كل شيء، وحيث لا يحكم بينهم إلا الهوي، وحيث العنصرية الجاثمة على الرؤس، وحيث رق النفوس لهوى الحكام، والخروج على كل منطق للمساواة الإنسانية.
وإذا لم يكن الرومان، أفتكون أرض الفرس هى أرض النبوة، وكسراهم فرض عليهم المذلة والهوان، وتوزعتهم سيادة الأشراف، حتى إذا بعدوا عن ذل الملك، وجدوا ذل الحاشية، ووجدوا أنهم يتنقلون فى الذل والهوان، وقد لانت نفوسهم، وخنغوا وهانوا أمام الملوك، وهل هؤلاء فى ذلتهم هم الذين يحملون دعوة الإسلام إلى العزة؟ وهل هم فى رقهم النفسى هم الذين يدعون إلى الكرامة الإنسانية التى سجلها الله تعالى فى قوله تعالت كلماته: وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ، وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ، وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا [1] .
لا يمكن أن تكون دعوة الحق ممن تمرسوا بالظلم، حتى أمات نخوتهم أو ممن ألفوا الخضوع، حتى لا يستطيعوا التفصى عنه، والخروج منه، ولا ممن قنعوا بالحياة الدون، ورضوا بالهون، إنما لا يدعو إلى العزة ولا إلى الحرية إلا الأحرار.
وهل تتصور أن تكون أرض الفراعنة هى التى تدعو إلى إسقاط حكم الفراعنة، وإعلان أن الناس قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا، وما انتقلوا من حكم الفراعنة إلا لمن هو أطغي، وأشد بغيا، وأكثر عتوا وفسادا، فهم يسارعون فى الذل والهوان، وينتقلون فيه من قطاع إلى قطاع، ومن جانب إلى جانب، لا يتململون، ولا يضجون ولا يثورون لقهر قاهر، أو ظلم ظالم، بل إنهم يألفون الخضوع حتى يحسب الدارس لهم أنهم يستطيبونه، ويستمرئونه، ويعاونون من يذلهم وينغضون رؤسهم على من يحاول أن يبث فيهم روح العزة والكرامة، بل يحسب أنهم يجدون العزة عبئا لا يمكن احتماله، وحملا لا يمكن حمله، ووزرا يرزحون تحته.
قال لهم فرعون: أنا ربكم الأعلي، فصدقوه. وقال لهم: أليس لى ملك مصر، وهذه الأنهار تجرى من تحتى فلم يكذبوه. وقال لهم: ليس لكم من إله غيري، فقالوا: أنت الإله.
لقد تضعضعت نفوسهم، حتى ألفوا الذلة فصبت عليهم، وقبلوا أن يكونوا قوما بورا.

[1] سورة الإسراء: 70.
نام کتاب : خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم نویسنده : أبو زهرة، محمد    جلد : 1  صفحه : 45
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست