نام کتاب : السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي نویسنده : غلوش، أحمد أحمد جلد : 1 صفحه : 101
الدقة ضمنوا لأنفسهم الحركة الآمنة، والقول الجريء، والنقد الحر، وكل هذه أسباب تجعل العقل ينمو باطراد، وخصوا الأسواق الهامة بشهري ذي القعدة وذي الحجة؛ إذ جعلوا سوق "عكاظ" في أول شهر ذي القعدة، و"المجنة" في آخره، وذي المجاز وعرفة في شهر ذي الحجة[1]؛ ربطا للدنيا بالدين؛ إذ يُقْدِم الحجاج في هذا الوقت من كل صوب قاصدين مكة، والكعبة، فيعيشون هذه الأسواق، ويكتسبون مع شعورهم الديني بعض معاشهم.
ولعل أوضح مظاهر النضج العقلي عند العرب ظاهرة الحنفاء، الذين أخذوا يحللون بعمق وفهم فساد ما عليه الناس، ويبينون الحاجة إلى دين يعرف بالخالق، ويكتشفون الطريق إليه، مدللين على اتجاههم بما وقعت عليه حواسهم من مهاد موضوع، وسقف مرفوع، ونجوم تمور، وبحار لن تغور، وليل داج، ونهار ساج، وقد وصلت هذه الجماعة برجاحة عقلها إلى بعض شريعة إبراهيم عليه السلام.
وفي الحق لقد وصل النضج الفكري إلى مستوى ممتاز، ناسب ظهور الدعوة الخاتمة بمعجزتها التي جعلها الله تعالى في قرآنه الكريم، الذي نزل للناس، يؤمن بالكلمة ويخاطب العقول، ويهتم بالمعاني والأفكار، وينقل الإنسان من عالم الحس إلى عالم الغيب والإيمان به، مع اشتماله على وسائل تتعدد أمام الفكر، تؤكد وتجادل، وتقرب وتيسر، قاصدة الإقناع العقلي، واليقين النفسي، والثبات مع الروح والوجدان، أكثر من ثباتها مع الانفعالات والأحاسيس.
يقول الشيخ/ رشيد رضا: إن الله جعل نبوة محمد ورسالته قائمة على قواعد العلم والعقل في ثبوتها وفي موضوعها؛ لأن البشر قد بدءوا يدخلون بها في سن الرشد والاستقلال النوعي، الذي لا يخضع عقل صاحبه فيه لاتباع من تصدر منهم أمور مخالفة للنظام الكوني، وإنما جعل الله تعالى حجة نبيه كتابه المعجز للبشر، بهدايته [1] أخبار مكة ج1 ص121، 122 بتصرف.
نام کتاب : السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي نویسنده : غلوش، أحمد أحمد جلد : 1 صفحه : 101