فحبسوه، ثم خيروه بين الردة والموت، فاختار الموت على الردة، فصلبوه بفلسطين على ماء يقال له عفراء، وضربوا عنقه [1] .
(4) وفد صداء- جاء هذا الوفد عقب انصراف رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الجعرانة سنة 8 هـ.
وذلك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم هيأ بعثا من أربعمائة من المسلمين، وأمرهم أن يطأوا ناحية من اليمن فيها صداء، وبينما ذلك البعث معسكر بصدر قناة علم به زياد بن الحارث الصدائي، فجاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: جئتك وافدا على من ورائي، فاردد الجيش وأنا لك بقومي، فرد الجيش من صدر قناة، وجاء الصدائي إلى قومه فرغهم في القدوم على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقدم عليه خمسة عشر رجلا منهم، وبايعوه على الإسلام، ثم رجعوا إلى قومهم، فدعوهم، ففشا فيهم الإسلام، فوافى رسول الله صلّى الله عليه وسلم منهم مائة رجل في حجة الوداع.
(5) قدوم كعب بن زهير بن أبي سلمى- كان من بيت الشعراء، ومن أشعر العرب، وكان يهجو النبي صلّى الله عليه وسلم، فلما انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلم من غزوة الطائف سنة 8 هـ، كتب إلى كعب بن زهير أخوه بجير بن زهير أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قتل رجالا بمكة ممن كانوا يهجونه ويؤذونه، ومن بقي من شعراء قريش هربوا في كل وجه، فإن كانت لك في نفسك حاجة فطر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فإنه لا يقتل أحدا جاء تائبا، وإلا فانج إلى نجاتك. ثم جرى بين الأخوين مراسلات ضاقت لأجلها الأرض على كعب، وأشفق على نفسه، فجاء المدينة، ونزل على رجل في جهينة، وصلى معه الصبح، فلما انصرف أشار عليه الجهني، فقام إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى جلس إليه، فوضع يده في يده، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا يعرفه فقال: يا رسول الله. إن كعب بن زهير، قد جاء ليستأمن منك تائبا مسلما، فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به؟
قال: «نعم» . قال: أنا كعب بن زهير. فوثب عليه رجل من الأنصار يستأذن ضرب عنقه، فقال: «دعه عنك، فإنه قد جاء تائبا نازعا عما كان عليه» .
وحينئذ أنشد كعب قصيدته المشهورة التي أولها:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... متيم إثرها، لم يفد، مكبول
قال فيها- وهو يعتذر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ويمدحه-: [1] زاد المعاد 3/ 45، تفهيم القرآن 2/ 169.