المدينة زيد بن حارثة، وقيل أبا ذر، وقيل نميلة بن عبد الله الليثي، وكان الحارث بن ضرار قد وجه عينا؛ ليأتيه بخبر الجيش الإسلامي، فألقى المسلمون عليه القبض وقتلوه.
ولما بلغ الحارث بن أبي ضرار ومن معه مسير رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقتله عينه، خافوا خوفا شديدا، وتفرق عنهم من كان معهم من العرب، وانتهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى المريسيع- بالضم فالفتح مصغرا، اسم لماء من مياههم في ناحية قديد إلى الساحل- فتهيؤوا للقتال، وصف رسول الله صلّى الله عليه وسلم أصحابه، وراية المهاجرين مع أبي بكر الصديق، وراية الأنصار مع سعد بن عبادة، فتراموا بالنبل ساعة، ثم أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم فحملوا حملة رجل واحد، فكانت النصرة. وانهزم المشركون، وقتل من قتل، وسبى رسول الله صلّى الله عليه وسلم النساء والذراري والنعم والشاء، ولم يقتل من المسلمين إلا رجل واحد، قتله رجل من الأنصار ظنا منه أنه من العدو.
كذا قال أهل المغازي والسير، قال ابن القيم: وهو وهم، فإنه لم يكن بينهم قتال، وإنما أغار عليهم على الماء فسبى ذراريهم وأموالهم كما في الصحيح: أغار رسول الله صلّى الله عليه وسلم على بني المصطلق وهم غارون، وذكر الحديث [1] انتهى.
وكان من جملة السبي جويرية بنت الحارث سيد القوم، وقعت في سهم ثابت بن قيس فكاتبها، فأدى عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلم وتزوجها، فأعتق المسلمون بسبب هذا التزويج مائة أهل بيت من بني المصطلق قد أسلموا، وقالوا: أصهار رسول الله صلّى الله عليه وسلم [2] .
وأما الوقائع التي حدثت في هذه الغزوة؛ فلأجل أن مبعثها كان هو رأس النفاق عبد الله بن أبي وأصحابه؛ نرى أن نورد أولا شيئا من أفعالهم في المجتمع الإسلامي.
دور المنافقين قبل غزوة بني المصطلق:
قدمنا مرارا أن عبد الله بن أبي كان يحنق على الإسلام والمسلمين، ولا سيما على رسول الله صلّى الله عليه وسلم حنقا شديدا. لأن الأوس والخزرج كانوا قد اتفقوا على سيادته، وكانوا ينظمون له الخرز؛ ليتوجوه إذ دخل فيهم الإسلام، فصرفهم عن ابن أبي، كان يرى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم هو الذي استلبه ملكه. [1] وانظر صحيح البخاري كتاب العتق 1/ 345، وانظر أيضا فتح الباري 7/ 341. [2] زاد المعاد 2/ 112، 113، ابن هشام 2/ 289، 290، 294، 295.