على موضع الوقعة، فنزل المنذر، فقاتل المشركين حتى قتل مع أصحابه، وأسر عمرو بن أمية الضمري، فلما أخبر أنه من مضر جز عامر ناصيته، وأعتقه عن رقبة كانت على أمه.
ورجع عمرو بن أمية الضمري إلى النبي صلّى الله عليه وسلم حاملا معه أنباء المصاب الفادح، مصرع سبعين من أفاضل المسلمين، تذكر نكبتهم الكبيرة بنكبة أحد؛ إلا أن هؤلاء ذهبوا في قتال واضح؛ وأولئك ذهبوا في غدرة شائنة.
ولما كان عمرو بن أمية في الطريق بالقرقرة من صدر قناة، نزل في ظل شجرة وجاء رجلان من بني كلاب فنزلا معه، فلما ناما فتك بهما عمرو، وهو يرى أنه قد أصاب ثأر أصحابه، وإذا معهما عهد من رسول الله صلّى الله عليه وسلم لم يشعر به، فلما قدم أخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بما فعل، فقال: لقد قتلت قتيلين لأدينهما وانشغل بجمع دياتهم من المسلمين وحلفائهم اليهود [1] ، وهذا الذي صار سببا لغزوة بني النضير كما سيذكر.
وقد تألم النبي صلّى الله عليه وسلم لأجل هذه المأساة، ولأجل مأساة الرجيع اللتين وقعتا خلال أيام معدودة [2] تألما شديدا، وتغلب عليه الحزن والقلق [3] ، حتى دعا على هؤلاء الأقوام والقبائل التي قامت بالغدر والفتك في أصحابه، ففي الصحيح عن أنس قال: دعا النبي صلّى الله عليه وسلم على الذين قتلوا أصحابه ببئر معونة ثلاثين صباحا، يدعو في صلاة الفجر على رعل وذكوان ولحيان وعصية، ويقول: «عصية عصت الله ورسوله» ، فأنزل الله تعالى على نبيه قرآنا قرأناه حتى نسخ بعد «بلغوا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه» فترك رسول الله صلّى الله عليه وسلم قنوته [4] .
غزوة بني النضير:
قد أسلفنا أن اليهود كانوا يتحرقون على الإسلام والمسلمين، إلا أنهم لم يكونوا أصحاب حرب وضرب، بل كانوا أصحاب دس ومؤامرة، فكانوا يجاهرون بالحقد والعداوة، ويختارون أنواعا من الحيل، لإيقاع الإيذاء بالمسلمين دون أن يقوموا للقتال، مع ما كان بينهم وبين [1] انظر ابن هشام 2/ 183 إلى 188، وزاد المعاد 2/ 109، 110، صحيح البخاري 2/ 584، 586. [2] ذكر الواقدي أن خبر أصحاب الرجيع وخبر أصحاب بئر معونة أتى النبي صلّى الله عليه وسلم في ليلة واحدة. [3] روى ابن سعد عن أنس ما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم وجد على أحد ما وجد على أصحاب بئر معونة «مختصر سيرة الرسول للشيخ عبد الله النجدي ص 260» . [4] البخاري 2/ 586، 587، 588.