مدى استعداد أبطال المسلمين للقتال حتى نهاية المعركة:
وفي هذه الساعة الأخيرة وقعت وقعتان، تدلان على مدى استعداد أبطال المسلمين للقتال، ومدى استماتتهم في سبيل الله.
1- قال كعب بن مالك: كنت فيمن خرج من المسلمين، فلما رأيت تمثيل المشركين بقتلى المسلمين قمت فتجاوزت، فإذا رجل من المشركين جمع اللأمة يجوز المسلمين وهو يقول:
استوسقوا كما استوسقت جزر الغنم [1] ، وإذا رجل من المسلمين ينتظره، وعليه لأمته، فمضيت حتى كنت من ورائه، ثم قمت أقدر المسلم والكافر ببصري، فإذا الكافر أفضلهما عدة وهيئة، فلم أزل أنتظرهما حتى التقيا، فضرب المسلم الكافر ضربة فبلغت وركه وتفرق فرقتين، ثم كشف المسلم عن وجهه وقال: كيف ترى يا كعب؟ أنا أبو دجانة [2] .
2- جاءت نسوة من المؤمنين إلى ساحة القتال بعد نهاية المعركة، قال أنس: لقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم، وأنهما لمشمرتان- أرى خدم سوقهما- تنقزان القرب على متونهما، تفرغانه في أفواه القوم، ثم ترجعان فتملآنهما، ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم [3] .
وقال عمر: كانت (أم سليط) تزفر لنا القرب يوم أحد [4] .
وكانت في هؤلاء النسوة أم أيمن، إنها لما رأت فلول المسلمين يريدون دخول المدينة، أخذت تحثو في وجوههم التراب، وتقول لبعضهم: هاك المغزل، وهلم سيفك. ثم سارعت إلى ساحة القثال، فأخذت تسقي الجرحى، فرماها حبان (بالكسر) ابن العرقة بسهم، فوقعت وتكشفت، فأغرق عدو الله في الضحك، فشق ذلك على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فدفع إلى سعد بن أبي وقاص سهما لا نصل له، وقال: ارم به، فرمى به سعد، فوقع السهم في نحر حبان، فوقع مستلقيا حتى تكشف، فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قال: استقاد لها سعد، أجاب الله دعوته [5] . [1] أي استجمعوا وانضموا. [2] البداية والنهاية 4/ 17. [3] صحيح البخاري 1/ 403، 2/ 581. [4] نفس المصدر 1/ 401. [5] السيرة الحلبية 2/ 22.