فذلك الذي حمل ابن الزبير رضي الله عنهما على هدمه، قال يزيد- ابن رومان-: وشهدت ابن الزبير حين هدمه وبناه، وأدخل فيه الحجر، وقد رأيت أساس إبراهيم حجارة كأسنمة الإبل، قال جرير- ابن حازم- فقلت له: أين موضعه؟ قال: أريكه الآن، فدخلت معه الحجر، فأشار إلى مكان، فقال: هاهنا، قال جرير: فحزرت من الحجر ستة أذرع أو نحوها. رواه البخاري في كتاب الحج (32) ، باب فضل مكة وبنيانها (41) ، حديث رقم (1509) ، ج، ص 574.
ومن الدروس المستفادة ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، كان ينقل معهم الحجارة للكعبة، وعليه إزارة، فقال له العباس عمه: يا ابن أخي، لو حللت إزارك فجعلته على منكبيك دون الحجارة، قال: فحلّه فجعله على منكبيه، فسقط مغشيا عليه، فما رئي بعد ذلك عريانا صلّى الله عليه وسلم. رواه البخاري في كتاب الصلاة في الثياب (9) باب كراهية التعري في الصلاة وغيرها (7) ، حديث رقم (357) ، ج 1، ص 143، وتكرر تحت رقم 1505 و 3617.
وأما المرة الثالثة: فقد كانت عند ما احترق البيت زمن يزيد بن معاوية حين غزتها جيوشه من أهل الشام، عند ما حاصروا عبد الله بن الزبير بقيادة الحصين بن نمير في آخر سنة ست وأربعين للهجرة، ورموا البيت بالمنجنيق، فتهدم واحترق.
فانتظر ابن الزبير حتى قدم الناس الموسم، فاستشارهم قائلا: أيها الناس، أشيروا عليّ في الكعبة، أنقضها ثم أبني بناءها، أو أصلح ما وهى منها؟ فقال له ابن عباس: أرى أن تصلح ما وهى وتدع بيتا أسلم الناس عليه، وأحجارا أسلم الناس عليها، فقال ابن الزبير: لو كان أحدكم احترق بيته ما رضي حتى يجدّه، فكيف بيت ربكم؟ إني مستخير ربي ثلاثا ثم عازم على أمري.
ثم باشر نقضه بعد ثلاثة أيام حتى بلغوا به الأرض، فأقام ابن الزبير أعمدة من حوله، وأرخى عليها الستور، ثم باشروا في رفع بنائه، وزاد فيه ما أخرجت قريش منه.
وزاد في ارتفاعه إلى السماء عشرة أذرع، وجعل له بابين، اتباعا لحديث عائشة.
وأما المرة الرابعة: فقد كانت بعد مقتل ابن الزبير.
روى مسلم عن عطاء أنه لما قتل ابن الزبير، كتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان يخبره بذلك، ويخبره أن ابن الزبير قد وضع البناء على أسّ نظر إليه العدول