ولم تكن هذه الحراسة مختصة ببعض الليالي بل كان ذلك أمرا مستمرا، فقد روى عن عائشة قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يحرس ليلا، حتى نزل وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، فأخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم رأسه من القبة، فقال: يا أيها الناس انصرفوا عني فقد عصمني الله عز وجل [1] .
ولم يكن الخطر مقتصرا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، بل على المسلمين كافة، فقد روى أبي بن كعب، قال: لما قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس واحدة، وكانوا لا يبيتون إلا بالسلاح ولا يصبحون إلا فيه.
الإذن بالقتال:
في هذه الظروف الخطيرة التي كانت تهدد كيان المسلمين بالمدينة، والتي كانت تنبىء عن قريش أنهم لا يفيقون عن غيهم، ولا يمتنعون عن تمردهم بحال، أنزل الله تعالى الإذن بالقتال للمسلمين، ولم يفرضه عليهم قال تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (22: 39) .
وأنزل هذه الآية ضمن آيات أرشدتهم إلى أن هذا الإذن إنما هو لإزاحة الباطل، وإقامة شعائر الله، قال تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ (22: 41) .
والصحيح الذي لا مندوحة عنه أن هذا الإذن إنما نزل بالمدينة بعد الهجرة، لا بمكة، ولكن لا يمكن لنا القطع بتحديد ميعاد النزول.
نزل الإذن بالقتال، ولكن كان من الحكمة إزاء هذه الظروف- التي مبعثها الوحيد هو قوة قريش وتمردها- أن يبسط المسلمون سيطرتهم على طريق قريش التجارية المؤدية من مكة إلى الشام، واختار رسول الله صلّى الله عليه وسلم لبسط هذه السيطرة خطتين:
الأولى: عقد معاهدات الحلف أو عدم الاعتداء مع القبائل التي كانت مجاورة لهذا الطريق، أو كانت تقطن ما بين هذا الطريق وما بين المدينة، وقد أسلفنا معاهدته- صلّى الله عليه وسلم- مع [1] جامع الترمذي أبواب التفسير 2/ 130.