وبنى بيوتا إلى جانبه، بيوت الحجر باللبن، وسقفها بالجريد والجذوع، وهي حجرات أزواجه صلّى الله عليه وسلم، وبعد تكامل الحجرات انتقل إليها من بيت أبي أيوب [1] .
ولم يكن المسجد موضعا لأداء الصلوات فحسب، بل كان جامعة يتلقى فيها المسلمون تعاليم الإسلام وتوجيهاته، ومنتدى تلتقي وتتآلف فيه العناصر القبلية المختلفة التي طالما نافرت بينها النزعات الجاهلية وحروبها، وقاعدة لإدارة جميع الشئون وبث الانطلاقات، وبرلمانا لعقد المجالس الاستشارية والتنفيذية.
وكان مع هذا كله دارا يسكن فيها عدد كبير من فقراء المهاجرين اللاجئين الذين لم يكن لهم هناك دار ولا مال ولا أهل ولا بنون.
وفي أوائل الهجرة شرع الأذان، النغمة العلوية التي تدوي في الآفاق، كل يوم خمس مرات، والتي ترتج لها أنحاء عالم الوجود. وقصة رؤيا عبد الله بن زيد بن عبد ربه بهذا الصدد معروفة رواها الترمذي وأبو داود وأحمد وابن خزيمة [2] .
المؤاخاة بين المسلمين:
وكما قام النبي صلّى الله عليه وسلم (ببناء المسجد) مركز التجمع والتآلف؛ قام بعمل آخر من أروع ما يأثره التاريخ، وهو عمل المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار. قال ابن القيم: ثم آخى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، في دار أنس بن مالك، وكانوا تسعين رجلا، نصفهم من المهاجرين، ونصفهم من الأنصار، آخى بينهم على المواساة، ويتوارثون بعد الموت دون ذوي الأرحام، إلى حين وقعة بدر، فلما أنزل الله عز وجل وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ (8: 75) رد التوارث، دون عقد الأخوة.
وقد قيل إنه آخى بين المهاجرين بعضهم مع بعض مؤاخاة ثانية ... والثبت الأول، والمهاجرون كانوا مستغنين بأخوة الإسلام وأخوة الدار وقرابة النسب عن عقد مؤاخاة بخلاف المهاجرين مع الأنصار [3] أهـ. [1] صحيح البخاري 1/ 71، 555، 560، زاد المعاد 2/ 56. [2] انظر بلوغ المرام لابن حجر العسقلاني ص 15. [3] زاد المعاد 2/ 56.