قال عروة بن الزبير: سمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم من مكة، فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة، فيتنظرونه حتى يردهم حر الظهيرة، فانقلبوا يوما بعد ما أطالوا انتظارهم، فلما أووا إلى بيوتهم أو فى رجل من يهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه، فبصر برسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته يا معاشر العرب، هذا جدكم الذي تنتظرون، فثار المسلمون إلى السلاح [1] .
قال ابن القيم: وسمعت الرّجّة والتكبير في بني عمرو بن عوف، وكبر المسلمون فرحا بقدومه، وخرجوا للقائه، فتلقوه وحيوه بتحية النبوة، فأحدقوا به مطيفين حوله، والسكينة تغشاه، والوحي ينزل عليه: فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (66: [4]) [2] .
قال عروة بن الزبير: فتلقوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فعدل بهم ذات اليمين، حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف، وذلك يوم الإثنين من شهر ربيع الأول. فقام أبو بكر للناس، وجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلم صامتا، فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله صلّى الله عليه وسلم يحيي- وفي نسخة: يجيء- أبا بكر، حتى أصابت الشمس رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه، فعرف الناس رسول الله صلّى الله عليه وسلم عند ذلك [3] .
وكانت المدينة كلها قد زحفت للاستقبال، وكان يوما مشهودا لم تشهد المدينة مثله في تاريخها، وقد رأى اليهود صدق بشارة حبقوق النبي: إن الله جاء من التيمان، والقدوس من جبال فاران [4] .
ونزل رسول الله صلّى الله عليه وسلم بقباء على كلثوم بن الهدم، وقيل: بل على سعد بن خيثمة، والأول أثبت، ومكث علي بن أبي طالب بمكة ثلاثا، حتى أدى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم الودائع التي كانت
- من يقول: إنه أكرم بالنبوة في رمضان سنة 41 من عام الفيل فعنده يتم على نبوته- في ذلك اليوم- اثنى عشر عاما وخمسة أشهر و 18 يوما أو 22 يوما. [1] صحيح البخاري 1/ 555. [2] زاد المعاد 2/ 54. [3] صحيح البخاري 1/ 555. [4] صحيفة حبقوق (3: 3) .