12/ 13 سبتمبر سنة 622 م «1»
. وأتى إلى دار رفيقه- وأمن الناس عليه في صحبته وماله- أبي بكر رضي الله عنه. ثم غادرا منزل الأخير من باب خلفي، ليخرجا من مكة على عجل، وقبل أن يطلع الفجر.
ولما كان النبي صلّى الله عليه وسلم يعلم أن قريشا ستجد في الطلب، وأن الطريق الذي ستتجه إليه الأنظار لأول وهلة هو طريق المدينة الرئيسي المتجه شمالا، فقد سلك الطريق الذي يضاده تماما، وهو الطريق الواقع جنوب مكة، والمتجه نحو اليمن. سلك هذا الطريق نحو خمسة أميال، حتى بلغ إلى جبل يعرف بجبل ثور، وهذا جبل شامخ، وعر الطريق، صعب المرتقى، ذو أحجار كثيرة، فحفيت قدما رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وقيل: بل كان يمشي في الطريق على أطراف قدميه كي يخفي أثره فحفيت قدماه، وأيا ما كان؛ فقد حمله أبو بكر حين بلغ إلى الجبل، وطفق يشتد به حتى انتهى به إلى غار في قمة الجبل، عرف في التاريخ بغار ثور [2] .
إذهما في الغار:
ولما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر: والله لا تدخله حتى أدخله قبلك، فإن كان فيه شيء أصابني دونك، فدخل فكسحه، ووجد في جانبه ثقبا فشق إزاره وسدها به، وبقي منها اثنان فألقمهما رجليه، ثم قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلم: ادخل. فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ووضع رأسه في حجره ونام، فلدغ أبو بكر في رجله من الجحر، ولم يتحرك مخافة أن ينتبه رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فسقطت دموعه على وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال: مالك يا أبا بكر؟ قال لدغت، فداك أبي وأمي، فتفل رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فذهب ما يجده [3] .
(1) رحمة للعالمين 1/ 95- ويكون شهر صفر هذا من السنة الرابعة عشرة من النبوة إذا فرضنا بداية السنين من شهر محرم، وأما إذا بدأنا السنين من الشهر الذي أكرم الله فيه نبيه صلّى الله عليه وسلم بالنبوة، فيكون شهر صفر هذا من السنة الثالثة عشرة قطعا. وعامة من يكتب في السيرة ربما يختار هذا، وربما يختار ذلك، فكثيرا ما يتخبط في ترتيب الوقائع، ويقع في أغلاط ونظرا إلى ذلك اخترنا بداية السنين من شهر محرم. [2] رحمة للعالمين 1/ 95، مختصر سيرة الرسول للشيخ عبد الله النجدي ص 167. [3] رواه رزين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفيه ثم انتقض عليه (أي رجع أثر السم حين موته) وكان سبب موته. انظر مشكاة المصابيح، باب مناقب أبي بكر 2/ 556.