أمر القيام بالدعوة إلى الله، وموادها
تلقى النبي صلى الله عليه وسلم أوامر عديدة في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ. وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ. وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ. وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ، وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ أوامر بسيطة ساذجة في الظاهر، بعيدة المدى والغاية، قوية الأثر والفعل في الحقيقة ونفس الأمر.
1- فغاية القيام بالإنذار ألايترك أحدا ممن يخالف مرضاة الله في عالم الوجود إلا وينذره بعواقبه الوخيمة حتى تقع رجفة وزلزال في قلبه وروعه.
2- وغاية تكبير الرّب ألايترك لأحد كبرياء في الأرض إلا وتكسر شوكتها، وتقلب ظهرا لبطن، حتى لا يبقى في الأرض إلا كبرياء الله تعالى.
3- وغاية تطهير الثياب وهجران الرجز أن يبلغ في تطهير الظاهر والباطن وفي تزكية النفس من جميع الشوائب والألواث إلى أقصى حد وكمال يمكن لنفس بشرية تحت ظلال رحمة الله الوارفة وحفظه وكلئه وهدايته ونوره، حتى يكون أعلى مثل في المجتمع البشري، تجتذب إليه القلوب السليمة، وتحس بهيبته وفخامته القلوب الزائغة، حتى ترتكز إليه الدنيا بأسرها وفاقا أو خلافا.
4- وغاية عدم الإستكثار بالمنة ألايعد فعالاته وجهوده فخيمة عظيمة، بل لا يزال يجتهد في عمل بعد عمل، ويبذل الكثير من الجهد والتضحية والفناء، ثم ينسى كل ذلك، بل يفنى في الشعور بالله بحيث لا يحس ولا يشعر بما بذل وقدم.
5- وفي الآية الأخيرة إشارة إلى ما سيلقاه من أذى المعاندين من المخالفة والإستهزاء والسخرية إلى الجد والإجتهاد في قتله وقتل أصحابه، وإبادة كل من التفّ حوله من المؤمنين، يأمر الله تعالى أن يصبر على كل من ذلك بقوة وجلادة، لا لينال حظّا من حظوظ نفسه، بل لمجرد مرضاة ربه.
الله أكبر! ما أبسط هذه الأوامر في صورتها الظاهرة. وما أروعها في إيقاعاتها الهادئة الخلابة، ولكن ما أكبرها وأفخمها وأشدها في العمل، وما أعظمها إثارة لعاصفة هوجاء تحضر جوانب العالم كله، وتتركها يتلاحم بعضها في بعض.