ثم لم يأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت صلاة أخرى.
ولما ارتفع الضحى، دعا النبيّ صلى الله عليه وسلم فاطمة فسارها بشيء فبكت. ثم دعاها، فسارها بشيء فضحكت، قالت عائشة، فسألنا عن ذلك- أي فيما بعد- فقالت: سارت النبيّ صلى الله عليه وسلم:
أنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه، فبكيت، ثم سارني فأخبرني أني أول أهله يتبعه فضحكت [1] .
وبشر النبيّ صلى الله عليه وسلم فاطمة بأنها سيدة نساء العالمين [2] .
ورأت فاطمة ما برسول الله صلى الله عليه وسلم من الكرب الشديد الذي يتغشاه، فقالت: واكرب أباه. فقال لها: «ليس على أبيك كرب بعد اليوم [3] » .
ودعا الحسن والحسين قبلهما، وأوصى بهما خيرا، ودعا أزواجه فوعظهن وذكرهن.
وطفق الوجع يشتد ويزيد، وقد ظهر أثر السم الذي أكله يخبر حتى كان يقول: يا عائشة، ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم [4] .
وأوصى الناس، فقال: «الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم» ، كرر ذلك مرارا [5] .
الاحتضار
وبدأ الإحتضار فأسندته عائشة إليها، وكانت تقول: إن من نعم الله عليّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته. دخل عبد الرحمن- بن أبي بكر- وبيده السواك، وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنه يحب السواك، فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فتناولته، فاشتد عليه، وقلت: ألينه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فلينته. فأمره- وفي رواية أنه استن بها كأحسن ما كان مستنا- وبين يديه ركوة فيها ماء، فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بها وجهه، يقول: «لا إله إلا الله، إن للموت سكرات- الحديث- [6] » . [1] صحيح البخاري 2/ 638. [2] ويدل بعض الرواة أن هذا الحوار والبشارة لم يكن في آخر يوم من حياته بل في آخر أسبوع. رحمة للعالمين 1/ 282. [3] صحيح البخاري 2/ 641. [4] نفس المصدر 2/ 637. [5] نفس المصدر 2/ 637. [6] صحيح البخاري. باب مرضي النبيّ صلى الله عليه وسلم 2/ 640.