وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله [1] » .
«أيها الناس، إنه لا نبيّ بعدي، ولا أمة بعدكم، ألا فاعبدوا ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، طيبة بها أنفسكم، وتحجون بيت ربكم، وأطيعوا أولات أمركم، تدخلوا جنة ربكم [2] » .
«وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون؟» قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت.
فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء، وينكتها إلى الناس: «اللهم اشهد» . ثلاث مرات» .
وكان الذي يصرخ في الناس بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهو بعرفة- ربيعة بن أمية بن خلف [4] .
وبعد أن فرغ النبيّ صلى الله عليه وسلم من إلقاء الخطبة نزل عليه قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي، وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً [المائدة: [3]] وعندما سمعها عمر بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: إنه ليس بعد الكمال إلا النقصان [5] .
وبعد الخطبة أذن بلال ثم أقام، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصلّ بينهما شيئا، ثم ركب حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل جبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة، فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص، وأردف أسامة، ودفع حتى أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبّح بينهما شيئا، ثم اضطجع حتى طلع الفجر، فصل الفجر حتى تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، فدعاه، وكبره، وهلله، ووحده، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا.
فدفع- من المزدلفة إلى منى- قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن عباس حتى [1] صحيح مسلم باب حجة النبيّ صلى الله عليه وسلم 1/ 397. [2] معدن الأعمال، ورواه ابن ماجة وابن عساكر، رحمة للعالمين 1/ 263. [3] مسلم 1/ 397. [4] ابن هشام 2/ 605. [5] رواه البخاري عن ابن عمر ... أنظر رحمة للعالمين 1/ 265.