بيد أن أبا سفيان بن الحارث كان آخذا بلجام بغلته، والعباس بركابه، يكفانها، أن لا تسرع. ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستنصر ربه قائلا: اللهم أنزل نصرك.
رجوع المسلمين واحتدام المعركة
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه العباس- وكان جهير الصوت- أن ينادي الصحابة قال العباس: فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة؟ قال: فو الله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيك يا لبيك [1] . ويذهب الرجل ليثني بعيره فلا يقدر عليه، فيأخذ درعه، فيقذفها في عنقه، ويأخذ سيفه وترسه، ويقتحم عن بعيره، ويخلي سبيله، فيؤم الصوت، حتى إذا اجتمع إليه منهم مائة استقبلوا الناس واقتتلوا.
وصرفت الدعوة إلى الأنصار، يا معشر الأنصار، يا معشر الأنصار، ثم قصرت الدعوة في بني الحارث بن الخزرج، وتلاحقت كتائب المسلمين واحدة تلو الآخرى كما كانوا تركوا الموقعة. وتجالد الفريقان مجالدة شديدة، ونظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ساحة القتال، وقد استحر واحتدم، فقال: «الآن حمي الوطيس» . ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من تراب الأرض، فرمى بها في وجوه القوم وقال: شاهت الوجوه، فما خلق الله إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا من تلك القبضة، فلم يزل حدهم كليلا وأمرهم مدبرا.
إنكسار حدة العدو، وهزيمته الساحقة
وما هي إلا ساعات قلائل- بعد رمي القبضة- حتى انهزم العدو هزيمة منكرة، وقتل من ثقيف وحدهم نحو السبعين، وحاز المسلمون ما كان مع العدو من مال وسلاح وظعن.
وهذا هو التطور الذي أشار إليه سبحانه وتعالى في قوله: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ، ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ. ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها، وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ [التوبة: 25، 26] .
حركة المطاردة
ولما انهزم العدو صارت طائفة منهم إلى الطائف، وطائفة إلى نخلة، وطائفة إلى أوطاس، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أوطاس طائفة من المطاردين يقودهم أبو عامر الأشعري، [1] صحيح مسلم 2/ 100.