عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف: 92] فأنشده أبو سفيان أبياتا منها:
لعمرك إني حين أحمل راية ... لتغلب خيل اللات خيل محمد
لكالمدلج الحيران أظلم ليله ... فهذا أواني حين أهدى فأهتدي
هداني هاد غير نفسي ودلني ... على الله من طردته كل مطرد
فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره وقال: أنت طردتني كل مطرد [1] .
الجيش الإسلامي ينزل بمر الظهران
وواصل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيره وهو صائم، والناس صيام، حتى بلغ الكديد- وهو ماء بين عسفان وقديد- فأفطر وأفطر الناس معه [2] ، ثم واصل سيره حتى نزل بمر الظهران- وادي فاطمة- نزله عشاء، فأمر الجيش، فأوقدوا النيران، فأوقدت عشرة آلاف نار، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحرس عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
أبو سفيان بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
وركب العباس- بعد نزول المسلمين بمر الظهران- بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء، وخرج يلتمس لعله يجد بعض الحطابة أو أحدا يخبر قريشا، ليخرجوا يستأمنون رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخلها.
وكان الله قد عمى الأخبار عن قريش، فهم على وجل وترقب، وكان أبو سفيان يخرج يتجسس الأخبار، فكان قد خرج هو وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء يتجسسون الأخبار.
قال العباس: والله إني لأسير عليها- أي على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم- إذا سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء، وهما يتراجعان، وأبو سفيان يقول: ما رأيت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا. قال: يقول بديل: هذه والله خزاعة، خمشتها الحرب، فيقول أبو سفيان:
خزاعة أقل وأذل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها.
قال العباس: فعرفت صوته، فقلت: أبا حنظلة؟ فعرف صوتي، فقال: أبا الفضل؟ [1] حسن إسلام أبي سفيان هذا بعد ذلك، ويقال: إنه ما رفع رأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلم حياء منه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه، وشهد له بالجنة، وقال: أرجو أن يكون خلفا من حمزة. ولما حضرته الوفاة قال: لا تبكوا علي، فو الله ما نطقت بخطيئة منذ أسلمت. زاد المعاد 2/ 162، 163. [2] صحيح البخاري 2/ 613.