هذا ما رآه أبو سفيان من أثر هذا الكتاب على قيصر، وقد كان من أثره عليه أنه أجاز دحية بن خليفة بن الكلبي، حامل كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم بمال وكسوة، ولما كان دحية بحسمى في الطريق لقيه ناس من جذام، فقطعوها عليه، فلم يتركوا معه شيئا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخل بيته، فأخبره، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة إلى حسمى، وهي وراء وادي القرى في خمسمائة رجل، فشن زيد الغارة على جذام، فقتل فيهم قتلا ذريعا، واستاق نعمهم ونساءهم، فأخذ من النعم ألف بعير، ومن الشاء خمسة آلاف، والسبي مائة من النساء والصبيان.
وكان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قبيلة جذام موادعة، فأسرع زيد بن رفاعة الجذامي أحد زعماء هذه القبيلة بتقديم الإحتجاج إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان قد أسلم هو ورجال من قومه ونصروا دحية حين قطع عليه الطريق، فقبل النبي صلى الله عليه وسلم احتجاجه وأمر برد الغنائم والسبي.
وعامة أهل المغازي يذكرون هذه السرية قبل الحديبية، وهو خطأ واضح، فإن بعث الكتاب إلى قيصر كان بعد الحديبية. ولذا قال ابن القيم: هذا بعد الحديبية بلا شك [1] .
5- الكتاب إلى المنذر بن ساوي
وكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوي حاكم البحرين كتابا يدعوه فيه إلى الإسلام، وبعث إليه العلاء بن الحضرمي بذلك الكتاب، فكتب المنذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أما بعد يا رسول الله، فإني قرأت كتابك على أهل البحرين، فمنهم من أحب الإسلام وأعجبه، ودخل فيه، ومنهم من كرهه، وبأرضي مجوس ويهود، فأحدث إلى في ذلك أمرك، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
«بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوي، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو [2] ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد فإني أذكرك الله عز وجل، فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه، وإنه من يطع رسلي، ويتبع أمرهم فقد أطاعني، ومن نصح لهم فقد نصح لي، وإن رسلي قد أثنوا عليك خيرا، وإني قد شفعتك في قومك، فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه، وعفوت عن أهل الذنوب، فاقبل [1] انظر زاد المعاد 2/ 122، وحاشية تلقيح فهوم أهل الأثر ص 29. [2] زاد المعاد 3/ 61، 62، والنص الذي أورده الدكتور حميد الله آخذا من صورة الكتاب الذي عثر عليه في الماضي القريب يختلف في كلمة واحدة، ففيه «لا إله غيره» بدل قوله: «لا إله إلا هو» .