غزوة بني المصطلق أو غزوة المريسيع
(في شعبان سنة 6 هـ) وهذه الغزوة وإن لم تكن طويلة الذيل، عريضة الأطراف، من حيث الوجهة العسكرية، إلا أنها وقعت فيها وقائع أحدثت البلبلة والإضطراب في المجتمع الإسلامي، وتمخضت عن افتضاح المنافقين، والتشريعات التعزيرية التي أعطت المجتمع الإسلامي صورة خاصة من النبل والكرامة وطهارة النفوس. ونسرد الغزوة أولا، ثم نذكر تلك الوقائع.
كانت هذه الغزوة في شعبان سنة ست من الهجرة على أصح الأقوال [1] . وسببها. أنه بلغه صلى الله عليه وسلم أن رئيس بني المصطلق الحارث بن أبي ضرار سار في قومه ومن قدر عليه من العرب يريدون حرب رسول الله، فبعث بريدة بن الحصيب الأسلمي، لتحقيق الخبر، فأتاهم، ولقي الحارث بن أبي ضرار وكلمه ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر.
وبعد أن تأكد لديه صلى الله عليه وسلم صحة الخبر ندب الصحابة، وأسرع في الخروج، وكان خروجه لليلتين خلتا من شعبان، وخرج معه جماعة من المنافقين لم يخرجوا في غزاة قبلها، واستعمل على المدينة زيد بن حارثة، وقيل أبا ذر، وقيل ثميلة بن عبد الله الليثي، وكان [1] والدليل على ذلك ما ثبت في حديث الإفك من أن القضية كانت بعد ما أنزل الحجاب، وآية الحجاب نزلت في شأن زينب، وزينب إذ ذاك كانت تحته، فإنه صلى الله عليه وسلم سألها عن عائشة فقالت: أحمي سمعي وبصري. قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأما ما وقع في حديث الإفك من أن سعد بن معاذ وسعد بن عبادة تنازعا في أصحاب الإفك، ومعلوم أن سعد بن معاذ مات عقب غزوة بني قريظة، فالظاهر أن هذا وهم الراوي، فقد روى ابن إسحاق حديث الإفك عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة، فلم يذكر فيه سعد بن معاذ بل ذكر أسيد بن حضير، قال أبو محمد بن حزم: وهذا هو الصحيح الذي لا شك فيه، وذكر سعد بن معاذ وهم (وانظر زاد المعاد 2/ 115) والعجب من محمد الغزالي أنه نسب إلى ابن القيم أنه يعتبر هذه الغزوة من حوادث السنة الخامسة (فقه السيرة ص 223) مع أن كلامه في الهدى (2/ 115) يأبى عن ذلك.