[2]- جاءت نسوة من المؤمنين إلى ساحة القتال بعد نهاية المعركة، قال أنس: لقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم، وأنهما لمشمرتان- أرى خدم سوقهما- تنقزان القرب على متونهما، تفرغانه في أفواه القوم، ثم ترجعان فتملآنهما، ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم [1] . وقال عمر: كانت (أم سليط) تزفر لنا القرب يوم أحد [2] .
وكانت في هؤلاء النسوة أم أيمن، إنها لما رأت فلول المسلمين يريدون دخول المدينة، أخذت تحثو في وجوههم التراب، وتقول لبعضهم: هاك المغزل، وهلم سيفك.
ثم سارعت إلى ساحة القتال، فأخذت تسقي الجرحى، فرماها حبان (بالكسر) ابن العرقة بسهم، فوقعت وتكشفت، فأغرق عدو الله في الضحك، فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدفع إلى سعد بن أبي وقاص سهما لا نصل له، وقال: ارم به، فرمى به سعد، فوقع السهم في نحر حبان، فوقع مستلقيا حتى تكشف، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجزه، ثم قال: استقاد لها سعد، أجاب الله دعوته [3] .
بعد انتهاء الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الشعب
ولما استقر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقره من الشعب خرج علي بن أبي طالب، حتى ملأ درقته ماء من المهراس- قيل: هو صخرة منقورة تسع كثيرا وقيل: اسم ماء بأحد- فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشرب منه، فوجد له ريحا فعافه، فلم يشرب منه، وغسل عن وجهه الدم، وصب على رأسه وهو يقول: اشتد غضب الله على من دمّى وجه نبيه [4] .
وقال سهل: والله إني لأعرف من كان يغسل جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن كان يسكب الماء وبما دووي؟ كانت فاطمة ابنته تغسله، وعلي بن أبي طالب يسكب الماء بالمجن، فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة من حصير، فأحرقتها، فألصقتها، فاستمسك الدم [5] .
وجاء محمد بن مسلمة بماء عذب سائغ، فشرب منه النبيّ صلى الله عليه وسلم، ودعا له بخير [6] ، وصلى الظهر قاعدا من أثر الجراح، وصلى المسلمون خلفه قعودا [7] . [1] صحيح البخاري 1/ 403، 2/ 581. [2] نفس المصدر 1/ 401. [3] السيرة الحلبية 2/ 22. [4] ابن هشام 2/ 85. [5] صحيح البخاري 2/ 2/ 584. [6] السيرة الحلبية 2/ 30. [7] ابن هشام 2/ 87.