بدت خلاخيلهن [1] . وتبع المسلمون المشركين، يضعون فيهم السلاح، وينتهبون الغنائم.
غلطة الرماة الفظيعة:
وبينما كان الجيش الإسلامي الصغير يسجل مرة أخرى نصرا ساحقا على مكة لم يكن أقل روعة من النصر الذي اكتسبه يوم بدر، وقعت من أغلبية فصيلة الرماة غلطة فظيعة قلبت الوضع تماما، وأدت إلى الحاق الخسائر الفادحة بالمسلمين، وكادت تكون سببا في مقتل النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تركت أسوأ أثر على سمعتهم، والهيبة التي كانوا يتمتعون بها بعد بدر.
لقد أسلفنا نصوص الأوامر الشديدة التي أصدرها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هؤلاء الرماة، بلزومهم موقفهم من الجبل في كل حال من النصر أو الهزيمة، لكن على رغم هذه الأوامر المشددة، لما رأى هؤلاء الرماة أن المسلمين ينتهبون غنائم العدو، غلبت عليهم، أثارة من حب الدنيا، فقال بعضهم لبعض: الغنيمة، الغنيمة، ظهر أصحابكم، فما تنتظرون؟
أما قائدهم عبد الله بن جبير، فقد ذكرهم أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
ولكن الأغلبية الساحقة لم تلق لهذا التذكير بالا، وقالت: والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة [2] . ثم غادر أربعون رجلا من هؤلاء الرماة مواقعهم من الجبل، والتحقوا بسواد الجيش، ليشاركوه في جمع الغنائم، وهكذا خلت ظهور المسلمين، ولم يبق فيها إلا ابن جبير وتسعة من أصحابه، التزموا مواقفهم، مصممين على البقاء حتى يؤذن لهم أو يبادوا.
خالد بن الوليد يقوم بخطة تطويق الجيش الإسلامي:
وانتهز خالد بن الوليد هذه الفرصة الذهبية، فاستدار بسرعة خاطفة، حتى وصل إلى مؤخرة الجيش الإسلامي، فلم يلبث أن أباد عبد الله بن جبير وأصحابه، ثم انقض على المسلمين من خلفهم، وصاح فرسانه صيحة عرف المشركون المنهزمون بالتطور الجديد، فانقلبوا على المسلمين، وأسرعت امرأة منهم- وهي عمرة بنت علقمة الحارثية- فرفعت لواء المشركين المطروح على التراب، فالتف حوله المشركون ولاثوا به، وتنادى بعضهم [1] صحيح البخاري 2/ 579. [2] روى ذلك البخاري من حديث البراء بن عازب 1/ 426.